مقدمة
التسامح من أهم القيم التي يجب أن يتحلى بها الإنسان، فهو دليل على القوة والرحمة واللطف، وقد حثنا الإسلام على التسامح والعفو عن الناس حتى وإن أخطأوا في حقنا، فقد قال الله تعالى في كتابه العزيز: “وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ” (آل عمران: 134).
1- التسامح في القرآن الكريم:
وردت العديد من الآيات القرآنية التي تحث على التسامح والعفو عن الناس، ومنها قوله تعالى: “وَأَن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا خَيْرٌ لَّكُمْ” (النور: 22).
كما قال تعالى: “وَإِن عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ” (النحل: 126).
وقد أمرنا الله تعالى أن نعفو عن الناس حتى ولو كانوا قد ظلمونا، فقد قال تعالى: “فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ” (المائدة: 95).
2- أسباب التسامح:
التسامح فضيلة أخلاقية عظيمة يجب على المسلم أن يتحلى بها، فهو من صفات المؤمنين الصالحين، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ألا أخبركم بأفضل من الصدقة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة”.
التسامح دليل على قوة الشخصية، فالإنسان القوي هو الذي يتسامح مع من أخطأ في حقه، ولا يحمل في قلبه ضغينة أو كراهية تجاهه.
التسامح يجعل الحياة أكثر سعادة وراحة، فالإنسان الذي يسامح الآخرين يعيش في سلام مع نفسه ومع الآخرين، ولا يشعر بالحقد أو الكراهية.
3- فوائد التسامح:
التسامح من أهم أسباب السعادة والراحة النفسية، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من ترك العفو وهو قادر عليه حشره الله يوم القيامة وهو مكتوب بين عينيه: متكبر”.
التسامح يجعل الحياة أكثر إيجابية، فالإنسان الذي يسامح الآخرين ينظر إلى الحياة بعين الأمل والتفاؤل، ولا يشعر بالمرارة أو الحقد.
التسامح يقرب بين الناس، ويجعل المجتمع أكثر وئامًا وتماسكًا، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تدخلوا بيوتًا إلا بإذن أهلها، ولا تسلموا على نسائه إلا بإذنهن، فإن فعلكم فقد أثمتم وظلمتم”.
4- شروط التسامح:
يجب أن يكون التسامح مبنيًا على النية الصادقة، وليس على الخوف أو الضعف، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يحل لامرئ مسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام”.
يجب ألا يكون التسامح على حساب الكرامة، فالإنسان يجب أن يحافظ على كرامته ولا يسمح لأحد بأن يهينه أو يذله، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير”.
يجب ألا يكون التسامح على حساب الحقوق، فالإنسان يجب أن يحافظ على حقوقه ولا يسمح لأحد بأن ينتهكها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من ترك حقًا ابتغاء وجه الله، عوضه الله خيرًا منه”.
5- مواقف من التسامح في السنة النبوية:
من أشهر مواقف التسامح في السنة النبوية موقف الرسول صلى الله عليه وسلم مع عائشة رضي الله عنها عندما اتهمت بالزنا، فقد سامحها الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يعاقبها، بل قال لها: “يا عائشة، أما علمت أن الله عز وجل بريء منك؟”.
ومن مواقف التسامح أيضًا موقف الرسول صلى الله عليه وسلم مع أهل مكة المكرمة عندما فتحها، فقد سامحهم على ما فعلوه به وبالمسلمين، ودخلها فاتحًا منصورًا، ولم يعاقب أحدًا منهم.
ومن مواقف التسامح أيضًا موقف الرسول صلى الله عليه وسلم مع يهود المدينة المنورة، فقد سامحهم على خيانتهم له وللمسلمين، وسمح لهم بالعيش في المدينة المنورة بشرط أن يدفعوا الجزية.
6- نماذج من التسامح في التاريخ الإسلامي:
من أشهر نماذج التسامح في التاريخ الإسلامي نموذج الخليفة عمر بن عبد العزيز، فقد كان معروفًا بتسامحه مع الناس، حتى مع غير المسلمين، فقد قال: “الناس صنفان: إما أخ لك في الدين، وإما نظير لك في الخلق”.
ومن نماذج التسامح أيضًا نموذج السلطان صلاح الدين الأيوبي، فقد كان معروفًا بتسامحه مع الصليبيين، حتى أنه سمح لهم بالدخول إلى القدس والصلاة فيها بعد أن حررها من أيديهم.
ومن نماذج التسامح أيضًا نموذج الشيخ محمد عبده، فقد كان معروفًا بتسامحه مع المسيحيين واليهود، وكان يدعو إلى الوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين.
7- التسامح في العصر الحديث:
التسامح من أهم القيم التي يجب أن يتحلى بها الإنسان في العصر الحديث، نظراً للصراعات والنزاعات الكثيرة التي يواجهها العالم، فالتسامح هو السبيل الوحيد لحل هذه الصراعات والنزاعات، وبناء عالم يسوده السلام والوئام.
هناك العديد من المنظمات الدولية التي تعمل على نشر التسامح في العالم، ومنها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، والتي أعلنت يوم 16 نوفمبر من كل عام يومًا دوليًا للتسامح.
هناك العديد من الشخصيات العامة التي تدعو إلى التسامح ونبذ العنف، ومنهم الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، والذي قال: “التسامح ليس مجرد كلمة، إنه فعل، إنه شيء يجب أن نفعله كل يوم”.
الخاتمة
التسامح من أهم القيم التي يجب أن يتحلى بها الإنسان، فهو دليل على القوة والرحمة واللطف، وقد حثنا الإسلام على التسامح والعفو عن الناس حتى وإن أخطأوا في حقنا، فالتسامح يجعل الحياة أكثر سعادة وراحة، ويجعل المجتمع أكثر وئامًا وتماسكًا.