المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله محمد خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد.
1. أهمية المغفرة في الإسلام
المغفرة في الإسلام هي من أعظم النعم التي أنعم الله بها على عباده، وهي من صفات الله تعالى التي تدل على رحمته وفضله، وهي من مقاصد الشريعة الإسلامية الأساسية، وقد حثنا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم على التوبة والاستغفار وطلب المغفرة من الله تعالى.
أولاً: المغفرة هي محو الذنوب والخطايا وتطهير القلوب منها.
ثانيًا: المغفرة سبب لدخول الجنة والفوز برضا الله تعالى.
ثالثًا: المغفرة سبب لرفع البلاء والشدائد عن العبد.
2. أسباب المغفرة في الإسلام
هناك أسباب كثيرة تؤدي إلى المغفرة في الإسلام، ومن أهمها:
أولاً: التوبة النصوح وهي التوبة الصادقة التي يندم فيها العبد على ذنوبه ويتركها ويعزم على ألا يعود إليها.
ثانيًا: الاستغفار وهو طلب المغفرة من الله تعالى والدعاء إليه بها.
ثالثًا: الإحسان إلى الآخرين والمساهمة في قضاء حوائجهم.
3. فضل المغفرة في الإسلام
فضل المغفرة في الإسلام عظيم وكبير، وقد ذكر الله تعالى في كتابه الكريم فضلها في كثير من الآيات، ومن ذلك قوله تعالى: {وَأَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 173].
أولاً: المغفرة سبب لدخول الجنة والفوز برضا الله تعالى، قال تعالى: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا كَبَائِرَ الذُّنُوبِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [النجم: 32].
ثانيًا: المغفرة سبب لرفع البلاء والشدائد عن العبد، قال تعالى: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} [هود: 3].
ثالثًا: المغفرة سبب لزيادة الرزق، قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2-3].
4. شروط المغفرة في الإسلام
حتى يحصل العبد على المغفرة من الله تعالى يجب عليه أن يتحقق فيه شروط المغفرة، وهي:
أولاً: الإخلاص لله تعالى في التوبة والاستغفار، فلا يتوب العبد إلا لله تعالى ولا يستغفر إلا منه.
ثانيًا: الندم على الذنوب والخطايا، وأن يكون العبد آسفًا عليها محزونًا لارتكابها.
ثالثًا: ترك الذنوب والخطايا والعزم على عدم العودة إليها.
رابعًا: قضاء حقوق العباد إن كان قد ظلم أحدًا.
5. من أُخذت منه ذنوبه وشُفي من داء الاستخفاف
عن محمد بن صالح ، قال : دفع إلى موسى بن إسماعيل ألف دينار ليفرقها ، وكان عنده أخ يسرق ، فانهمك في أمره ، فشُغل عن الصدقة ، وقال : أُدير هذه الدراهم ، فإذا أصاب الله بها خيراً تصدقت بها ، فمكث ما شاء الله أن يمكث ، فإذا هو بالمال سبعين ألف دينار ، فتذكر الصدقة ، وحملها إلى موسى ، وكان معه عصا ، فلما نظر إليه قال : يا عدو الله ، منذ كم حبست الصدقة عني ؟ وأنت تقول : يا عدو الله ، وأنت لا تبالي ثم ضرب بها رأسه ، فشجَّه ، ثم قال : أما والله لتكلمني صادقاً أو لأقتلنك ، فلما رأى الجد قال : أخي يسرق ، فاستحييت أن آتيك بصدقةٍ فيها ماله ، فلو قلت لي : اعرف لي من الذي يسرقه ، وضربت ضرباً وجيعاً ، ثم أخذت مالي لاسترحتُ ، فقال له : يا عدو الله ، ههنا بلغ بك الاستخفاف بالله ، من يسرق أخاك ؟ قال : أنت . قال : وأنا ؟ قال : نعم . قال : وكيف ؟ قال : تسرق حسناته وتسئ إليه .
ثم وصف له دواءه قال : أمِر أن يأخذ خرقة بيضاء ، فيضعها على النار ، ويقول : بسم الله أخرج مني داء الاستخفاف .
ثم يطفي النار ، ويبلها ، فيأخذها بيده ، ويقول : بسم الله أخرج مني داء الاستخفاف .
يفعل ذلك سبع مرات ، فإن الله يُخرجه منه .
6. الاستخفاف بالذنب من أعظم الذنوب
قال إبراهيم التيمي : لقد أدركت أقواماً كانوا يستغفرون من الخطيئة الواحدة سنة ، ويقولون : ( أخطأنا ولا نعلم ) وكانوا يتهاونون بالذنوب حتى لا تدري ما الذنب عندهم .
قال محمد بن المنكدر : إنكم لتعملون أعمالا ، وما شيء أحب إلى أن يدرك أحدكم الموت وفي قلبه منها شيء من أن يلقى الله عز وجل وفي قلبه منها شيء ، ثم تلا هذه الآية : ( وَلَا يَمُوتُنَّ إِلَّا وَهُمْ كَافِرُونَ ) .
قال سفيان الثوري : إذا رأيت الرجل يعمل الذنب ، ويحرِّك رأسه ، ويضحك يقول : أهٍ أهٍ ، فاعلم أنه قد استخفَّ بالذنب .
7. الندم على الذنب أهون من لقاء الله به
قال أبو الدرداء : إن الرجل ليذنب الذنب ، فيندم عليه ، فيكون أهون عليه من أن يلقى الله عز وجل به .
قال الفضيل بن عياض : لقد أدركت أقواماً كانوا يذنبون فيحزنهم ذنوبهم حتى كان الرجل منهم ليتمنى أن يموت ولا يلقى الله عز وجل بذلك الذنب .
قال مالك بن دينار : إذا اقترفت ذنباً فاحزن له ساعة واحدة ، خير لك من أن تحزن له دهرك .
الخاتمة
وختامًا، إن المغفرة من أعظم النعم التي أنعم الله بها على عباده، وهي سبب لدخول الجنة والفوز برضا الله تعالى، ولذا يجب على العبد أن يبادر إلى التوبة والاستغفار وطلب المغفرة من الله تعالى، وأن يتحلى بشروط المغفرة حتى ينالها من الله تعالى.