بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فإن من أعظم ما رزق الله تعالى عباده نعمة الودائع، وهي أن يضع الإنسان شيئا عزيزا لديه عند شخص آخر على أن يحفظه ويرده إليه عند طلبه، والله تعالى هو خير المستودعين، وهو الذي أمر عباده أن يستودعوه ما نزل بهم من شؤون الدنيا والآخرة، فقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾ [المؤمنون: 8].
الودائع عند الله تعالى
ومن أعظم الودائع التي يستودعها العبد عند الله تعالى نفسه وروحه، فهو وحده القادر على حفظها وسلامتها، وهو الذي قال: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ [البقرة: 257].
ومن الودائع أيضا الإيمان، فهو نعمة عظيمة أنعم الله تعالى بها على عباده، وهو الذي يجعلهم أهلًا لرضوانه وجنته، وهو الذي قال عنه: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة: 82].
ومن الودائع أيضًا المال والولد، فهما نعمة عظيمة من الله تعالى، وقد أمر عباده بشكرهما، فقال تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم: 7].
آداب الاستوداع عند الله تعالى
ومن آداب الاستوداع عند الله تعالى أن يدعو العبد ربه أن يحفظ له ودائعه، وأن يرزقه شكرها وأن يعينه على أداء حقها، وأن يجعلها سببًا لرضوانه وجنته، ويدعو الله تعالى أن يرده إليه -أي الودائع- كما أودعها له، سليمة سالمة، أو أفضل منها.
فإن الدعاء من أعظم العبادات، وهو سبب لرضا الله تعالى وقرب العبد منه، وقد قال عنه: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: 60].
ومن آداب الاستوداع عند الله تعالى أن يحافظ العبد على ودائعه، وأن لا يضيعها أو يتلفها، وأن لا يستخدمها إلا فيما أباحه الله تعالى، وأن يخشى الله تعالى في كل ما يتصرف فيه، وأن يتذكر أنه محاسب بين يدي الله تعالى على كل شيء.
فإن الله تعالى هو صاحب الملك والملكوت، وهو الذي قال: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [الإسراء: 23-24].
أنواع الودائع عند الله تعالى
ومن أنواع الودائع التي يستودعها العبد عند الله تعالى:
الودائع المادية: وهي كل ما يملكه العبد من مال وعقار ومتاع.
الودائع المعنوية: وهي كل ما يتعلق بالإنسان من إيمان وعلم وفضائل.
الودائع البشرية: وهي كل من له حق على العبد من أقارب وأصدقاء وجيران.
أهمية الاستوداع عند الله تعالى
وللاستوداع عند الله تعالى أهمية كبيرة، فهو سبب لرضا الله تعالى وقرب العبد منه، وهو الذي يجعل العبد مطمئنًا إلى أن ودائعه في أيدٍ أمينة، وهو الذي ينجي العبد من عذاب النار، ويدخله جنته، فقد قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ [لقمان: 22].
الاستوداع عند الله تعالى في السنة النبوية
وقد ورد في السنة النبوية العديد من الأحاديث التي تحث على الاستوداع عند الله تعالى، منها ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من استودع الله شيئًا حفظه له”.
ومنها ما رواه الترمذي عن عائشة رضي الله عنها، قالت: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع يديه ثم نفث فيهما، ثم قرأ: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص]، ثم يمسح بهما وجهه وما بلغت يداه من جسده”.
الاستوداع عند الله تعالى في حياة الصحابة والتابعين
وقد حرص الصحابة والتابعون على الاستوداع عند الله تعالى، ونقل عنهم العديد من القصص والأخبار التي تدل على ذلك، منها ما روي عن عمر بن الخط