اللهم لك صمت
مقدمة:
يعتبر الصمت من أسمى وأعظم العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه، فهو لغة القلوب وعمل الصالحين، وفيه يجد العبد صفاء السر وراحة النفس، وفيه يتأمل عظمة الخالق وقدرته، كما أن الصمت باب من أبواب الدعاء والاستغفار وطلب العفو من ذنوبه. والصمت عبادة قد حث عليها الإسلام وحثنا عليها رسول الله صلي الله عليه وسلم، فعن أبي هريرة قال: “من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه”. والصمت عبادة عظيمة، فهي عبادة القلب والروح، وهي عبادة لا تكلف شيئًا، وهي عبادة يمكن أن يفعلها الإنسان في أي وقت وفي أي مكان.
1. فضل الصمت:
للصمت فضل كبير عند الله، فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾ [المؤمنون: 3]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: 76]، وقد قال رسول الله صل الله عليه وسلم : “من صمت نجا”.
ويعتبر الصمت عبادة يثاب عليها العبد، فقد قال رسول الله صل الله عليه وسلم: “الصمت عبادة، وهو كنز من كنوز الجنة”. والصمت يزيد من حسنات العبد، وقد قال رسول الله صل الله عليه وسلم: “إن الصمت حكمة، وكثرة الكلام من الشيطان”.
ويساعد الصمت العبد على التفكر والتدبر في خلق الله، فقد قال رسول الله صل الله عليه وسلم: “كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع”. والصمت يعين العبد على التحكم في غضبه، فقد قال رسول الله صل الله عليه وسلم: “إذا غضب أحدكم فليسكت”.
2. آداب الصمت:
من آداب الصمت أن يكون عن شيء مباح، فإن كان عن شيء محرم أو مكروه فإنه لا يجوز، فقد قال رسول الله صل الله عليه وسلم: “من سكت عن الحق فهو شيطان أخرس”.
ومن آداب الصمت أن لا يكون فيه كبر أو عجب أو زهو، فقد قال رسول الله صل الله عليه وسلم: “من تكبر على الناس ذهب ثلثا عقله”.
ومن آداب الصمت أن لا يكون فيه غفلة أو سهو أو نسيان، فقد قال رسول الله صل الله عليه وسلم: “من نسي ذكر الله تعالى فهو شيطان أخرس”.
3. أسباب كثرة الكلام:
من أسباب كثرة الكلام الجهل، فالجاهل يتكلم كثيرًا دون أن يفكر فيما يقول، وقد قال رسول الله صل الله عليه وسلم: “من كثر كلامه كثر سقطه”.
ومن أسباب كثرة الكلام سوء الأدب، فسوء الأدب يدفع صاحبه إلى التكلم كثيرًا دون مراعاة لمشاعر الآخرين، وقد قال رسول الله صل الله عليه وسلم: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت”.
ومن أسباب كثرة الكلام حب الظهور، فحب الظهور يدفع صاحبه إلى التكلم كثيرًا لإظهار نفسه وإبراز فضائله، وقد قال رسول الله صل الله عليه وسلم: “من تكلم في غير ما يعنيه فقد تكلف ما لا يعنيه”.
4. أضرار كثرة الكلام:
من أضرار كثرة الكلام أنه يضيع الوقت، وقد قال رسول الله صل الله عليه وسلم: “من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه”.
ومن أضرار كثرة الكلام أنه يكثر من الذنوب، فقد قال رسول الله صل الله عليه وسلم: “إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين مخرجها من فيه حتى يهوي بها في جهنم”.
ومن أضرار كثرة الكلام أنه يسبب الندم، وقد قال رسول الله صل الله عليه وسلم: “من كثر كلامه كثر سقطه”.
5. ثمار الصمت:
من ثمار الصمت أنه يحفظ العبد من الوقوع في الذنوب، فقد قال رسول الله صل الله عليه وسلم: “من صمت نجا”.
ومن ثمار الصمت أنه يزيد من العلم والحكمة، فقد قال رسول الله صل الله عليه وسلم: “الصمت حكمة، وكثرة الكلام من الشيطان”.
ومن ثمار الصمت أنه يزيد من خشية الله تعالى، فقد قال رسول الله صل الله عليه وسلم: “كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع”.
6. الصمت في القرآن والسنة:
وقد وردت العديد من الآيات والأحاديث التي تحث على الصمت وتبين فضله وثوابه، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾ [المؤمنون: 3]، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: 76].
ومن الأحاديث النبوية التي وردت في فضل الصمت قوله صلى الله عليه وسلم: “الصمت عبادة، وهو كنز من كنوز الجنة”. وقوله صلى الله عليه وسلم: “من صمت نجا”.
7. الصمت في حياة الصحابة والتابعين:
وقد كان الصحابة والتابعون رضوان الله عليهم يحرصون على الصمت كثيرًا، وكانوا يعتبرونه من العبادات العظيمة، وكانوا يكثرون من الصمت في مجالس الذكر وفي مجالس العلم وفي مجالس العبادة، وكانوا يعتبرون الصمت من علامات الإيمان والتقوى.
ولقد كان الصحابة والتابعون يحرصون على الصمت في مجالسهم ولقاءاتهم، وكانوا يعتبرون الصمت من علامات الوقار والرزانة، وكانوا يرون أن الصمت أفضل من الكلام الفارغ الذي لا طائل من ورائه، فكانوا إذا جلسوا لا يتكلمون إلا فيما يفيد ويُنفع.
خاتمة:
وفي ختام هذا المقال نرجو من الله تعالى أن يوفقنا جميعًا للعمل بما أمرنا به واجتناب ما نهانا عنه، وأن يعيننا على الصمت عن الكلام الذي لا يفيد، وأن يرزقنا الصمت الذي يرضيه عنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.