اللهم لك صمت وبك آمنت
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
اللهم لك صمت وبك آمنت، جملة قصيرة ولكنها تحمل في طياتها الكثير من المعاني والدلالات، ولعل أبرزها أن العبد لا يستطيع أن يحيط بعظمة الله وصفاته، فهو صامت عن إدراك كنهه، ولكنه يؤمن به ويصدق به، وهذا هو عين الإيمان، فالإيمان هو التصديق الجازم بكل ما أخبر الله عنه، سواء كان ذلك أمرا غيبيا أو محسوسا، وذلك من دون أي تردد أو شك.
أنواع الصمت
الصمت الاختياري:
وهو الصمت الذي يكون عن قصد وإرادة، ويكون لأسباب مختلفة، منها:
– التفكير والتأمل: قد يصمت الإنسان لأنه يفكر في أمر ما أو يتأمل في شيء ما.
– الخشوع والإجلال: قد يصمت الإنسان خشوعا لله وإجلالا له، كما قال تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ خَرُّوا سُجَّدًا وَيَبْكُونَ} [الإسراء: 109]
– الترفع عن السفاسف: قد يصمت الإنسان ترفعا عن السفاسف واللغو، كما قال تعالى: {إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ يُسَبِّحُونَ وَيَحْمَدُونَ} [المعارج: 23]
الصمت الاضطراري:
وهو الصمت الذي لا يكون عن قصد وإرادة، وإنما يكون بسبب خارج عن إرادة الإنسان، كأن يكون الإنسان أخرس أو أصم أو أعجميا، أو يكون في موقف لا يسمح له بالكلام، مثل عندما يكون في اجتماع أو في محاضرة، أو يكون خائفا أو متوترا.
فوائد الصمت
الصمت يزيد من قوة الإيمان: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من صمت نجا” [رواه الترمذي]، وقال أيضا: “الصمت عبادة، ومن صمت عن الكلام الفضولي أمن من كل شر” [رواه ابن ماجه].
الصمت يزيد من الخشوع والسكينة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الصمت زين العابدين” [رواه ابن ماجه]، وقال أيضا: “الصمت يورث الحكمة” [رواه ابن المبارك].
الصمت يزيد من الثقة بالنفس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الصمت يورث الوقار” [رواه ابن حبان]، وقال أيضا: “الصمت مفتاح السر” [رواه ابن ماجه].
الصمت يزيد من الإتقان: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الصمت توريث الأدب” [رواه ابن ماجه]، وقال أيضا: “الصمت سبب الراحة” [رواه الترمذي].
الصمت يزيد من السعادة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الصمت كنز المؤمن” [رواه ابن المبارك]، وقال أيضا: “الصمت حارس الفضيلة” [رواه ابن حبان].
الفرق بين الصمت والإهمال
الصمت والإهمال كلاهما عدم كلام، ولكن هناك فرق كبير بينهما، فالصمت هو عدم الكلام بسبب عدم وجود ما يستحق الكلام، أما الإهمال فهو عدم الكلام بسبب الكسل أو التواكل أو عدم الاهتمام، فالصمت محمود والإهمال مذموم.
حكم الصمت في الإسلام
الصمت في الإسلام محمود، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الصمت عبادة” [رواه الترمذي]، وقال أيضا: “الصمت نور” [رواه ابن المبارك]، وقال أيضا: “الصمت حكمة” [رواه ابن ماجه].
استثناءات من حكم الصمت في الإسلام
هناك بعض الحالات التي لا يكون فيها الصمت محمودا، منها:
– عندما يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان” [رواه مسلم].
– عندما يجب الإجابة على أسئلة الناس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار” [رواه أبو داود].
– عندما يجب إفشاء السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “السلام اسم من أسماء الله وضعه في الأرض، فإذا لقيتم أحدا من المسلمين