المقدمة:
منذ الأزل، ظلَّ اليتيمُ في المجتمعات الإنسانية المختلفة، ضحيةً لأطماع الطامعين، ومضطهدًا، ومستغلًا لأحوجيتِه، ومحرومًا مما ينتفع به غيره من خيرات المحيطين الاجتماعيين، ولم تغفل الشرائع السماوية الكبرى، ولا القوانين الوضعية، ولا القيمُ والأخلاق الإنسانية، هذه الشريحةَ المظلومةَ، فشددت على ضرورة رعايتها، وإيلائها ما ينبغي من تقدير ومحبة واهتمام، فقد حثت الشرائع السماوية على رعاية اليتيم ومساعدته، مثل الدين الإسلامي مثلاً الذي يرى أن العناية باليتيم والعطف عليه ومساعدته هي من أعظم أنواع البر والتقرب إلى الله تعالى، كما أن القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وردت فيهما كثير من الآيات والأحاديث التي تحث على رعاية الأيتام والإحسان إليهم.
أما القوانين الوضعية، فهي تولي رعاية اليتيم اهتمامًا كبيرًا، وتوفر له الحماية اللازمة لتأمين مستقبله، وتضمن حقوقه الأساسية، وأهمها الحق في الحياة، والحق في الرعاية الصحية والتعليم والمسكن والغذاء، كما توفر له الدعم المالي اللازم لمساعدته على إكمال حياته بشكل طبيعي.
1. مفهوم اليتم وأسبابه:
اليتم في اللغة العربية يعني فقدان أحد الوالدين أو كليهما، سواء كان ذلك بسبب الموت أو بسبب الطلاق أو بسبب الهجر أو بسبب أي سبب آخر. وفي الاصطلاح الشرعي، فإن اليتيم هو من فقد والده قبل أن يبلغ سن الرشد، أما إذا توفيت والدته فيظل يتيمًا إلى أن يبلغ سن الرشد حتى وإن كان يعيش مع والده. أما إذا فقد الطفل كلا والديه قبل أن يبلغ سن الرشد، فيُطلق عليه “اليتيم الكامل”. أما أسباب اليتم، فهي متعددة ومتنوعة، فقد تكون طبيعية مثل وفاة الوالدين بسبب المرض أو الحوادث أو الكوارث الطبيعية، وقد تكون غير طبيعية مثل القتل أو الانتحار أو الهجر.
2. الآثار النفسية والاجتماعية لليتم:
اليتم له آثار نفسية واجتماعية عميقة على الطفل، فقد يشعر الطفل اليتيم بالوحدة والعزلة والاكتئاب، وقد يعاني من مشاكل في الثقة بالنفس والتواصل الاجتماعي، وقد يميل إلى العدوانية والسلوك الإجرامي، كما قد يعاني من صعوبات في التعلم والتكيف مع المدرسة والمجتمع. بالإضافة إلى ذلك، قد يواجه الطفل اليتيم صعوبات مادية كبيرة، خاصة إذا لم يكن لديه أقارب أو أصدقاء أو مؤسسات ترعاه، وقد يضطر إلى ترك المدرسة والعمل في سن مبكرة من أجل إعالة نفسه.
3. رعاية الأيتام في الشريعة الإسلامية:
لقد أولت الشريعة الإسلامية عناية خاصة برعاية الأيتام، فهي تفرض على المسلمين في جميع أنحاء العالم رعاية الأيتام وإعالتهم وحمايتهم من أي ضرر أو إهمال، كما توجِب عليهم تأمين جميع احتياجاتهم المادية والنفسية والاجتماعية. ويعتبر الإحسان إلى اليتيم من أفضل الأعمال التي يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى، فعن النبي محمد صلى الله عليه وسلم “أن رجلاً أتاه فقال: يا رسول الله، أي الصدقة أفضل؟ قال: الصدقة على المسكين. قال: ثم ماذا؟ قال: الصدقة على ذي الرحم المحتاج. قال: ثم ماذا؟ قال: الصدقة على اليتيم” [رواه الترمذي].
4. رعاية الأيتام في القوانين الوضعية:
القوانين الوضعية في جميع أنحاء العالم تولي رعاية الأيتام اهتمامًا كبيرًا، فهي توفر لهم الحماية اللازمة لتأمين مستقبلهم، وتضمن حقوقهم الأساسية، وأهمها الحق في الحياة، والحق في الرعاية الصحية والتعليم والمسكن والغذاء، كما توفر لهم الدعم المالي اللازم لمساعدتهم على إكمال حياتهم بشكل طبيعي. وتختلف قوانين رعاية اليتامى من دولة إلى أخرى، ولكنها تتفق جميعًا على ضرورة توفير الرعاية والحماية للأيتام.
5. دور المجتمع في رعاية الأيتام:
المجتمع له دور كبير في رعاية الأيتام، فعلى أفراد المجتمع أن يبدوا اهتمامًا كبيرًا بالأيتام، وأن يقدموا لهم المساعدة والدعم المادي والمعنوي، كما يجب على المجتمع أن يتعاون مع المؤسسات الحكومية والخاصة التي ترعى الأيتام من أجل توفير أفضل رعاية لهم. ويتم ذلك من خلال إنشاء مؤسسات لرعاية الأيتام تساعد على توفير السكن والغذاء والتعليم والرعاية الصحية لهم، بالإضافة إلى توفير الدعم النفسي والمعنوي لهم. كما يجب على المجتمع نشر الوعي بأهمية رعاية الأيتام والعمل على تغيير النظرة السلبية تجاههم.
6. الأدوار الحكومية في رعاية الأيتام:
الحكومات في جميع أنحاء العالم تتحمل مسؤولية كبيرة في رعاية الأيتام، فهي تضع القوانين واللوائح اللازمة لحماية حقوق الأيتام وتوفير الرعاية المناسبة لهم. وتقوم الحكومات بإنشاء مؤسسات خاصة برعاية الأيتام وتقديم الدعم المالي لهذه المؤسسات. كما تقدم الحكومات الدعم المالي للأسر التي ترعى أيتامًا، وتوفر لهم الرعاية الصحية والتعليمية المجانية.
7. الإحصائيات العالمية عن الأيتام:
وبحسب تقديرات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، فإن هناك ما يقرب من 140 مليون يتيم في جميع أنحاء العالم. وهذا العدد في تزايد مستمر بسبب الحروب والكوارث الطبيعية والفقر وغيرها من العوامل. وتشير التقديرات إلى أن حوالي 60% من الأيتام في العالم يعيشون في إفريقيا، و20% في آسيا، و10% في أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، و10% في البلدان المتقدمة.
الخاتمة:
إن اليتيم شريحة مظلومة في المجتمعات الإنسانية المختلفة، لذلك يجب أن يتكاتف الجميع من أجل حمايته ورعايته، وأن يقدموا له ما يحتاج إليه من مساعدة ودعم مادي ومعنوي. كما يجب على الحكومات والمؤسسات المختلفة أن تعمل على وضع خطط وبرامج خاصة برعاية الأيتام، وتوفير الظروف المناسبة لهم لكي ينعموا بحياة كريمة.