المقدمة:
لغة الشعر العربي غنية ومتنوعة، وتحفل بالعديد من الأساليب والصور البيانية التي تضفي عليها سحرًا وجمالاً خاصين. ومن بين هذه الأساليب، نجد استخدام حروف العلة في نهايات الأبيات الشعرية، وهو ما يُعرف بـ “القافية”. والقافية هي حرف العلة الذي يتكرر في نهاية كل بيت شعري، وتُضفي على القصيدة إيقاعًا موسيقيًا جذابًا.
وفي هذا المقال، سنتناول بالبحث والتحليل بيت شعر ينتهي بحرف الميم، وهو الحرف الأخير من حروف الهجاء العربية. ونتطرق إلى الدلالات والصور الشعرية التي ينطوي عليها هذا الحرف، وكيف وظفه الشعراء للتعبير عن مختلف المعاني والأفكار.
أنواع القافية التي تنتهي بحرف الميم:
– القافية المذكرة: وهي القافية التي يكون حرف الروي فيها ساكنًا، مثل: “أَفْعَلُهُ أَفْعَلُهُ إن استطعتُهُ يفعلُهُ الفاعلُون كلهم معي” (المتنبي).
– القافية المؤنثة: وهي القافية التي يكون حرف الروي فيها متحركًا، مثل: “مِنَ المَالِ وَالأَهْلِ وَالأَوْلاَدِ وَالنَّسَبِ لِكُلِّ نَفْسٍ يَوْمًا مَا مِنَ المَوْتِ مَوْعِدُ” (أبو الطيب المتنبي).
– القافية الموحّدة: وهي القافية التي تتكرر في جميع أبيات القصيدة، مثل: “كَأَنَّهُ، لَمْ يُنْشَدِ الْبَيْتُ قَبْلَهُ لَمْ يُقْتَفِ الشِّعْرَ الَّذِي قَدْ قَالَهُ قَائِلُهْ” (البحتري).
– القافية المتناوبة: وهي القافية التي تتغير في كل بيتين من القصيدة، مثل: “تَفَكَّرْ بِأَنَّكَ لَسْتَ خَالِدًا وَأَنَّ الْمَنُونَ بِكَ الْمُسْتَغِلُّ” (أبو العتاهية).
الدلالات والصور الشعرية لحرف الميم:
– الاتساع والإحاطة: يتميز حرف الميم بكونه حرفًا مفتوحًا واسعًا، لذلك غالبًا ما يُستخدم للتعبير عن الاتساع والإحاطة. مثل قول الشاعر: “وَأَظْلِلْتُهَا فَاتَّسَعَتْ لِضِيَافَتِي وَسَوَّى لِمَرْوَى عُرْسَهَا بِالظَّهْرِ” (امرؤ القيس).
– الدوام والاستمرارية: يُعد حرف الميم رمزًا للدوام والاستمرارية، نظرًا لكونه حرفًا ساكنًا لا يتحرك. مثل قول الشاعر: “وَسَوَّى لِمَرْوَى عُرْسَهَا بِالظَّهْرِ فَمَا زَالَ مِنْهَا بَعْدُ عَنَّابًا يَتِيمًا” (امرؤ القيس).
– النعومة واللين: يتميز حرف الميم بكونه حرفًا لينًا، لذلك غالبًا ما يُستخدم للتعبير عن النعومة واللين. مثل قول الشاعر: “وَرُبَّ مَشْتَاقٍ إِلَى زَمَنٍ مَضَى كَأَنَّهُ رُؤْيَا مُنَوَّمِ” (أبو نواس).
أمثلة على أبيات شعر تنتهي بحرف الميم:
النابغة الذبياني:
– “يُؤلِفُ بَيْنَ الرَّمْحِ وَالصَّوْلَةِ وَيُفْرِقُ مَا بَيْنَ الرِّجَالِ الدَّمُ”
– “وَإِنِّي غَدَاةَ الأُرْسِ لا أتَقِي غَضَابَةَ مِنْهُ وَلا أَتَّقِي الضَّيْغَمَا”
– “وَإِنِّي لَعَفُّ عَنْ نِسَاءِ الْعِرْبِ كُلِّهَا وَعَنْ أَجَلِّي أَنْ أُسَى اللَّيْلَ مُجْتَهِدَا”
أبو الطيب المتنبي:
– “مَتَىْ أَقْضِ نَوْمِي وَالنُّجُومُ طُلُوعُهَا مَعَقَّدُهَا أَعْلَى ثُرَيَّا وَمَسْرَحُهَا”
– “وَمَا الْقَوْلُ فِي سُهْرِي وَهَجْرِ مُؤَرِّقِي وَجَسْمِي بَلَى وَالْخَدُّ فَوْقَ بِلَاهِيَةِ”
– “وَرَأَيْتُهُ يَنْظُرُ فِي النَّاسِ شَزْرًا كَأَنَّمَا يَنْظُرُ مِنْ نَوْكِ أَحْوَالِهِ”
أبو العلاء المعري:
– “أُعَوِّضُ عَنْ دُنْيَا الْفَنَاءِ بِزُهْدٍ وَأَخْرَجُ مِنْ دَارِ الْغُرُورِ سَلِيمَا”
– “وَكَم مِنْ حَكِيمٍ مَاتَ مَظْلُومًا وَكَم مِنْ جَاهِلٍ تَتْرَى مُكْرَمَا”
– “وَطَالَ دَمٌ فِي طَوْضِ أَسْعَدَ عُشْبَهُ كَأَنَّمَا عَصَرَتْ أَكْفُ الْحَيَا دَمَا”
الخاتمة:
حرف الميم حرف غني بالدلالات والصور الشعرية، وقد استخدمه الشعراء للتعبير عن مختلف المعاني والأفكار. وقد تناولنا في هذا المقال بعضًا من هذه الدلالات والصور، واستعرضنا أمثلة على أبيات شعر تنتهي بحرف الميم. إن استخدام حرف الميم في نهايات الأبيات الشعرية يضفي عليها إيقاعًا موسيقيًا جذابًا، ويساعد على ترابط القصيدة وتماسكها.