مقدمة:
الحياة الدنيا دار فانية وزائلة، والدار الآخرة دار باقية وخالدة، ولذلك كان من الواجب على المؤمن أن يجعل همه واهتمامه في الآخرة، وأن يتزود لها بالعمل الصالح، ففي الآخرة النعيم الدائم والسرور الأبدي، وفي الدنيا التعب والشقاء والهموم والغموم، فمن أراد السعادة الأبدية فعليه أن يسعى إليها في الدار الآخرة، ومن أراد الشقاء الأبدي فعليه أن يطلبها في الدنيا.
اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة:
1. عيش الآخرة خالٍ من الهموم والأحزان:
في الآخرة لن يكون هناك هموم ولا أحزان ولا آلام ولا أوجاع، قال تعالى: {لا يمسهم فيها نصب وما هم عنها بمخرجين} [الحجر: 48]، وقال تعالى: {لا يحزنون ولا هم ينصبون} [الانبياء: 102].
في الآخرة سيكون النعيم الدائم والسرور الأبدي، قال تعالى: {ولهم فيها ما تشتهي أنفسهم ولهم فيها ما يدعون} [فصلت: 31]، وقال تعالى: {يدخلون جنات تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاءون} [محمد: 6].
في الآخرة سيكون المؤمن في صحبة الصالحين والأبرار، قال تعالى: {وهم في جنات النعيم في مقعد صدق عند مليك مقتدر} [القمر: 54-55]، وقال تعالى: {وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين في سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود وماء مسكوب وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة وفرش مرفوعة} [الواقعة: 27-34].
2. عيش الآخرة نعيم مقيم:
نعيم الآخرة مقيم لا يزول ولا يفنى، قال تعالى: {جنات عدن يدخلونها خالدين فيها أبداً} [الكهف: 108]، وقال تعالى: {ولهم فيها رزقهم بكرة وعشياً} [غافر: 40].
نعيم الآخرة نعيم روحي وجسدي، قال تعالى: {متكئين على فرش بطائنها من استبرق وجنى الجنتين دان} [الرحمن: 54]، وقال تعالى: {يؤتون كتابهم بأيمانهم ويقولون ربنا آتنا كتابنا وصحفنا إننا كنا نؤمل أن نلقى حسابنا هذا} [الحاقة: 19-20].
نعيم الآخرة نعيم دائم لا ينقطع، قال تعالى: {لا مقطوعة ولا ممنوعة} [الواقعة:33]، وقال تعالى: {لهم فيها فاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة} [الرحمن: 22].
3. الدعاء بعيش الآخرة:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة، فامتنا مغفورًا لنا، وأدخلنا الجنة” [رواه مسلم].
جاء في الدعاء: “اللهم إني أسألك عيشة هنية وميتة سوية ومردًا حسنًا” [رواه مسلم].
كان سيدنا إبراهيم عليه السلام يدعو ربه بقوله: {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} [البقرة: 201].
4. التزود لعيش الآخرة:
التزود لعيش الآخرة يكون بالعمل الصالح، قال تعالى: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} [البقرة: 197]، وقال تعالى: {من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} [النحل: 97].
من التزود لعيش الآخرة كثرة ذكر الله تعالى، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله كثيراً وسبحوه بكرة وأصيلاً} [الأحزاب: 41-42]، وقال تعالى: {والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً} [الأحزاب: 35].
من التزود لعيش الآخرة الإحسان إلى الوالدين، قال تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً} [الإسراء: 23]، وقال تعالى: {وإما أن يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً} [الإسراء: 23].
5. التشوق إلى عيش الآخرة:
يتوق المؤمن إلى عيش الآخرة ويتمنى أن ينالها، قال تعالى: {والذين يتوقون ما عند الله ويخشون سوء الحساب أولئك هم الفائزون} [الزمر: 10].
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتشوق إلى عيش الآخرة ويقول: “والذي نفسي بيده إن أحبكم إليكم وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسنكم خلقاً وأحسنكم أخلاقاً” [رواه الترمذي].
قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “ما أحب أن أموت على فراشي، ولكن أحب أن أموت في سبيل الله تعالى، فألقى الله وقد رضى عني”.
6. الصبر على الدنيا:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الصبر نصف الإيمان” [رواه مسلم].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من صبر على المصيبة أعطاه الله أجراً لا يعطيه إلا صابراً” [رواه الترمذي].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من ابتلي في جسده وأعطي صبراً وجوزي عليه الجنة أقام الله عز وجل له يوم القيامة خمسمائة ملك عن يمينه ينادون: إنك وفيت وأجملت فأوفى الله لك وأجمل” [رواه ابن ماجه].
7. العمل للآخرة:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ” [رواه البخاري].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك” [رواه الحاكم].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما ندم امرؤ على صمت قط، وما ندم امرؤ على فرصة فوتها قط” [رواه الترمذي].
الخاتمة:
إن الدنيا دار فانية وزائلة، والدار الآخرة دار باقية وخالدة، ولذلك كان من الواجب على المؤمن أن يجعل همه واهتمامه في الآخرة، وأن يتزود لها بالعمل الصالح، ففي الآخرة النعيم الدائم والسرور الأبدي، وفي الدنيا التعب والشقاء والهموم والغموم، فمن أراد السعادة الأبدية فعليه أن يسعى إليها في الدار الآخرة، ومن أراد الشقاء الأبدي فعليه أن يطلبها في الدنيا.