ولادتي في رمضان

ولادتي في رمضان

ولادتي في شهر رمضان المعظم: انعكاسات إلهية على حياتي

مقدمة:

الشهر الفضيل شهر الولادة الذي أسبغ هيبته عليّ، منذ اللحظة الأولى التي أبصرت بها النور في بحبوحة ليلة القدر، فقد كان رمضان البداية، وفي كل رمضان أحيا ذكرى ولادتي، أتذكر ليلتها المضيئة، وأتلذذ بنفحات عطرها العابق في الروح والقلب، وأقول: كيف تمضي سنون عمري ولا تزال تلك النفحات أليفة عندي، مدهشة في كل عام؟

في رمضان زرعت بذرة الإيمان:

– منذ نعومة أظفاري كانت أسرة تؤمن أيمانًا كبيرًا بضرورة غرس قيم هذا الشهر في نفسي، فقد حرص والداي على صياغة تربية متكاملة، تمنحني فضيلة الصيام والتقوى، جاهدين في خلق علاقتي الخاصة بالله عز وجل.

– كيف أنسى ووالدي يوقظني وقت السحور ليأمرني بتناول الطعام والشراب، حتى لا أهلك نفسي بالعطش والجوع في نهار رمضان؟ وكان بعد الفجر وقبل شروق الشمس، يؤكد عليّ ضرورة أداء صلاة الفجر، ثم يذهب بي إلى المسجد لأدائها جماعة.

– وفي المسجد أرى جدي يقرأ القرآن بصوت شجي، وأختلس النظر إليه وأنا مستغرقة في آيات الذكر الحكيم، وكأن تلك النفحات الرمضانية تشق صدري لتتغلل في أعماق قلبي، وتزرع بين ضلوعي بذرة الإيمان.

رمضان.. أول تجاربي مع الصيام:

– أتذكر جيدًا تجربتي الأولى مع رمضان، كانت في التاسعة من عمري، فرحت كثيرًا لأنني سأكون مثل والدي وجدي الذي أحترمه كثيرًا، سأستيقظ معهما وقت السحور، وسأصلي معهم الفجر، وسأسمع آيات القرآن من جدي، شعرت وأنا صغيرة أنني قد كبرت.

– لكن حينما لم أستطع السيطرة على جوعي وعطشي في منتصف النهار، شعرت باليأس والإحباط، وعندما أخبرت والدي، ضحك وقال: “أعلم أن الأمر صعب، لكنه واجب علينا”، وأكد عليّ ضرورة إكمال صيام رمضان، وشجعني على ذلك.

– وتغلبت على جوعي وعطشي تدريجيًا، وتعلمت الصبر والمثابرة، وبدأت بتحمل المسؤولية واختبار مدى قوتي، ونمت في داخلي روح الإصرار والإرادة، واستطعت إكمال شهر رمضان الأول في حياتي.

رمضان مدرسة العطاء:

– كان كل يوم من رمضان درسًا جديدًا في العطاء، فيسمح والداي للفقراء في قريتنا أن يجلسوا معنا على مائدة الإفطار، ويأكلون معنا، وكنت أجد متعة خاصة في مشاركة طعامي معهم.

– وكنت أرى والدي يخرج الكثير من المال ليدفعه لمن هم أشد فقرًا، وأعلم أنه يفعل ذلك لأنه مؤمن بأهمية العطاء في هذا الشهر الكريم، وأن هناك أناس يحتاجون إلى مساعدتنا، ولو بالقليل.

– تعرفت في رمضان -أيضًا- على مفهوم الزكاة، علمت أنه جزء لا يتجزأ من هذه الشعيرة العظيمة، وبدأت في تعويد نفسي منذ صغري على دفع الزكاة، حتى أعتاد عليها عندما أكبر.

رمضان وقت القراءة والتفكر:

– كان والدي دائمًا ما يحثني على الاستفادة من وقت رمضان في قراءة القرآن الكريم وتفهم معانيه، وكثيرًا ما كان يقرأ عليّ آيات القرآن ويطلب مني تكرار قراءتها.

– وكنت أيضًا أحب قراءة القصص الدينية مثل قصة سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- وغيرها من القصص التي تلهمني وتجعلني أسعى لأن أكون مثلهم.

– وكنت دائمًا أرغب في قضاء الوقت في المسجد، حيث كنت أجد الكثير من الكتب الدينية التي أستمتع بقراءتها، وأسأل الشيوخ عن أي شيء لا أفهمه.

رمضان مدرسة الحياة:

– تعلمت في رمضان الكثير عن الحياة، عن أهمية الصبر والمثابرة، وعن فضيلة العطاء، وعن حب القراءة والتفكر، وكل هذه الدروس جعلتني شخصًا أفضل.

– لقد كان شهر رمضان المبارك نقطة تحول في حياتي، حيث ساعدني على اكتشاف ذاتي وإيجاد طريقي في الحياة، وشكل شخصيتي لتصبح أكثر رحمة وعطاءً.

– رمضان مدرسة الحياة الحقيقية، حيث يجد الإنسان فرصة لتجديد حياته ونفسه، وتحقيق نقلة نوعية في سلوكياته وقيمه.

ختامًا:

ولادتي في شهر رمضان كانت نعمة عظيمة من الله عز وجل، إنها بمثابة انعكاس إلهي على حياتي، ففي رمضان تعلمت القيم والمبادئ التي أؤمن بها، اكتسبت الصفات الحسنة التي أتمنى أن أكون عليها دائمًا، ومن خلال هذه الذكرى السنوية أستعيد كل تلك الذكريات الجميلة التي عشتها، وأشكر الله عز وجل على نعمة الولادة في شهر رمضان المبارك.

أضف تعليق