حكم رسم ذوات الأرواح

حكم رسم ذوات الأرواح

حكم رسم ذوات الأرواح

مقدمة:

رسم ذوات الأرواح من الأمور التي اختلف الفقهاء في حكمها، فمنهم من حرمها تحريمًا مطلقًا، ومنهم من أجازها بشرط ألا تكون على وجه التعظيم أو التقديس، ومنهم من أجازها مطلقًا. وسوف نتناول في هذه المقالة أدلة كل فريق من هذه الفرق، ونرجح الرأي الصحيح في المسألة.

أولاً: الأدلة على تحريم رسم ذوات الأرواح مطلقًا:

1. قال الله تعالى: {خُلِقَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ} [غافر: 6]. وفي هذه الآية دلالة على أن خلق السماوات والأرض جاء بالحق، أي بالعدل والحكمة، وأن في ذلك آية للمؤمنين تدل على عظمة الله تعالى وقدرته. ومن المعلوم أن رسم ذوات الأرواح من الأمور التي تتنافى مع عظمة الله تعالى وقدرته، لأنها محاولة لإيجاد شبيه لله تعالى، وهذا من الكفر والشرك.

2. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لعن الله المصورين” [رواه البخاري ومسلم]. وهذا الحديث يدل على تحريم رسم ذوات الأرواح مطلقًا، سواء كان على وجه التعظيم أو التقديس أم لا. وقد فسّر العلماء لعن المصورين بأنه يشمل كل من رسم ذوات الأرواح، سواء كان ذلك باليد أو بالأدوات الأخرى، وسواء كان ذلك على الجدران أو على الورق أو على أي شيء آخر.

3. ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بمحو الصور التي كانت موجودة في الكعبة [رواه البخاري ومسلم]. وهذا يدل على أنه لا يجوز رسم ذوات الأرواح في المساجد، بل يجب محوها وإزالتها. ومن المعلوم أن المساجد من الأماكن التي يجب أن تكون خالية من الصور والتماثيل، لأنها أماكن عبادة وتوحيد.

ثانيًا: الأدلة على جواز رسم ذوات الأرواح بشرط ألا تكون على وجه التعظيم أو التقديس:

1. قال الله تعالى: {فَأَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى الَّلَيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا} [البقرة: 187]. وفي هذه الآية دلالة على جواز رسم ذوات الأرواح في المساجد، بشرط ألا يكون ذلك على وجه التعظيم أو التقديس. والدليل على ذلك أن الآية الكريمة ذكرت أن العاكفين في المساجد لا يجوز لهم أن يباشروا زوجاتهم، وهذا يدل على أن المساجد لا يجب أن تكون خالية من الصور والتماثيل مطلقًا، بل يجوز أن تكون فيها صور وتماثيل بشرط ألا تكون على وجه التعظيم أو التقديس.

2. ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عنده ستر فيه صور [رواه البخاري ومسلم]. وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجيز رسم ذوات الأرواح، بشرط ألا يكون ذلك على وجه التعظيم أو التقديس. ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أعلم الناس بالشريعة الإسلامية، وأحرصهم على اتباعها، ولذلك فإن إجازته لرسم ذوات الأرواح بشرط ألا يكون ذلك على وجه التعظيم أو التقديس دليل على جواز ذلك.

3. نقل عن بعض الصحابة والتابعين الإجازة لرسم ذوات الأرواح بشرط ألا يكون ذلك على وجه التعظيم أو التقديس. ومن هؤلاء الصحابة والتابعين: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن مسعود، وأبو هريرة، وعائشة بنت أبي بكر، وميمونة بنت الحارث، وعمر بن عبد العزيز، والزهري، ومالك بن أنس. وهذا يدل على أن جواز رسم ذوات الأرواح بشرط ألا يكون ذلك على وجه التعظيم أو التقديس هو مذهب جمهور الصحابة والتابعين.

ثالثًا: الأدلة على جواز رسم ذوات الأرواح مطلقًا:

1. قال الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقُلْنَا لَهُمَا احْكُمَا بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكُمَا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [الأنبياء: 79]. وفي هذه الآية دلالة على أن الله تعالى أعطى داود وسليمان علمًا وحكمة، وأمرهما أن يحكما بين الناس بالحق ولا يتبعا الهوى. ومن المعلوم أن نبي الله سليمان كان يرسم ذوات الأرواح، كما ثبت ذلك في القرآن الكريم [انظر: سورة النمل]. وهذا يدل على أن رسم ذوات الأرواح ليس من المحرمات، وإلا لما فعله نبي الله سليمان.

2. ثبت أن الصحابة والتابعين كانوا يرسمون ذوات الأرواح، ولم ينكر عليهم أحد ذلك. ومن هؤلاء الصحابة والتابعين: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الملك بن مروان، وعمر بن عبد العزيز، والزهري، ومالك بن أنس. وهذا يدل على أن رسم ذوات الأ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *