هل سحب العصب يفطر الصائم؟
مقدمة
الصيام عبادة عظيمة لها فضل كبير، ولهذا حرص المسلمون على أداء هذه العبادة منذ القدم، وقد حدد الله تعالى أحكام الصيام في القرآن الكريم، وبيّن النبي صلى الله عليه وسلم سنتها، ومن أهم ما يجب معرفته في هذا الصدد هو ما يفطر الصائم وما لا يفطره، ومن الأمور التي أثارت جدلاً في هذا السياق هو سحب العصب.
أولاً: مفهوم سحب العصب
سحب العصب هو إجراء طبي يتم فيه إزالة جزء من العصب، وعادة ما يتم ذلك لعلاج الألم المزمن أو غيره من الحالات الطبية، ويتم سحب العصب تحت التخدير العام أو الموضعي، ويستغرق الإجراء عادةً من 30 إلى 60 دقيقة.
ثانيًا: حكم سحب العصب في الصيام
اختلف الفقهاء في حكم سحب العصب في الصيام على قولين:
القول الأول: إن سحب العصب لا يفطر الصائم، وهذا القول هو الراجح عند جمهور الفقهاء، واستدلوا على ذلك بأن سحب العصب لا يعتبر مفطراً لأنه لا يعد من الأكل أو الشرب، ولا يؤدي إلى دخول شيء إلى الجوف، كما أنه لا يسبب أي ضرر للصائم.
القول الثاني: إن سحب العصب يفطر الصائم، وهذا القول هو مذهب الحنفية، واستدلوا على ذلك بأن سحب العصب يؤدي إلى إخراج الدم من الجسم، والدم يعتبر من المفطرات، كما أن سحب العصب يسبب ألماً شديداً للصائم، وهذا الألم قد يبطل الصيام.
ثالثًا: الأدلة على كل قول
أدلة القول الأول:
1. قال تعالى: “وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ” (البقرة: 187)، ولم يذكر الله تعالى في هذه الآية أو غيرها من الآيات ما يفيد أن سحب العصب يفطر الصائم.
2. لم يرد في السنة النبوية أي حديث يفيد أن سحب العصب يفطر الصائم، بل وردت أحاديث تدل على أن الصائم يجوز له أن يحتجم، والحجامة تسبب خروج الدم من الجسم، وهذا يدل على أن خروج الدم من الجسم لا يبطل الصيام.
3. سحب العصب لا يعتبر مفطراً لأنه لا يعد من الأكل أو الشرب، ولا يؤدي إلى دخول شيء إلى الجوف، كما أنه لا يسبب أي ضرر للصائم.
أدلة القول الثاني:
1. قال تعالى: “فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ” (البقرة: 185)، ويشمل هذا المرضى الذين يعانون من ألم شديد، وسحب العصب يسبب ألماً شديداً للصائم، وهذا الألم قد يبطل الصيام.
2. سحب العصب يؤدي إلى إخراج الدم من الجسم، والدم يعتبر من المفطرات، وهذا يدل على أن سحب العصب يفطر الصائم.
3. سحب العصب يسبب وهناً وضعفاً للصائم، وهذا الضعف قد يمنعه من أداء واجباته اليومية، وهذا قد يبطل الصيام.
رابعًا: الراجح من القولين
الراجح من القولين هو القول الأول، وهو أن سحب العصب لا يفطر الصائم، وذلك للأدلة السابقة، ولأن سحب العصب لا يعتبر من الأكل أو الشرب، ولا يؤدي إلى دخول شيء إلى الجوف، كما أنه لا يسبب أي ضرر للصائم.
خامسًا: الاحتياط
من باب الاحتياط، يفضل للصائم أن يتجنب سحب العصب خلال شهر رمضان، وذلك حتى لا يقع في خلاف بين الفقهاء، ويمكنه أن يؤجل سحب العصب إلى ما بعد شهر رمضان.
سادسًا: الحالات التي يجوز فيها سحب العصب للصائم
هناك بعض الحالات التي يجوز فيها للصائم أن يسحب العصب، ومن هذه الحالات:
1. إذا كان سحب العصب ضرورياً لإنقاذ حياة الصائم أو درء ضرر كبير عنه.
2. إذا كان سحب العصب لا يسبب ألماً شديداً للصائم.
3. إذا كان الصائم قادراً على أداء واجباته اليومية بعد سحب العصب.
سابعًا: الخلاصة
سحب العصب لا يفطر الصائم عند جمهور الفقهاء، ولكن من باب الاحتياط يفضل للصائم أن يتجنب سحب العصب خلال شهر رمضان، ويمكنه أن يؤجل سحب العصب إلى ما بعد شهر رمضان، وهناك بعض الحالات التي يجوز فيها للصائم أن يسحب العصب، ومن هذه الحالات: إذا كان سحب العصب ضرورياً لإنقاذ حياة الصائم أو درء ضرر كبير عنه، وإذا كان سحب العصب لا يسبب ألماً شديداً للصائم، وإذا كان الصائم قادراً على أداء واجباته اليومية بعد سحب العصب.