المقدمة:
الغلو هو تجاوز الحد في شيء ما، وهو مذموم شرعًا وعقلاً، وقد حذر منه الإسلام ونهى عنه، فالمغالاة في الدين تؤدي إلى الانحراف عنه، وقد حدد الإسلام منهجًا واضحًا للمسلم في عباداته ومعاملاته، فلا ينبغي تجاوز هذا المنهج أو الإفراط فيه.
أنواع الغلو:
1. الغلو في العبادة:
ينقسم الغلو في العبادة إلى نوعين:
الغلو في الكيفية: وهو الإفراط في العبادات والحرص الشديد على أدائها، مع ترك الرفق واليسر فيها، وقد قال تعالى: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ [الحجر: 99]، وقال النبي ﷺ: «إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسدّدوا وقاربوا، واستعينوا بالرفق، ولا تعجزوا» [رواه البخاري].
الغلو في الكمية: وهو أداء العبادات أكثر من اللازم، بحيث يشق على الإنسان ويؤدي إلى تضييع مصالحه الأخرى، وقد قال تعالى: ﴿وَلا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً﴾ [الإسراء: 110]، وقال النبي ﷺ: «لا تشددوا على أنفسكم، فيشدد الله عليكم، فإن قومًا شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم، فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات، رهبانًا ونساكًا» [رواه الترمذي].
2. الغلو في العقيدة:
الغلو في العقيدة هو تجاوز الحد في الإيمان بالله ورسوله، والإفراط في تقديسهم، وقد قال تعالى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ﴾ [النساء: 171]، وقال النبي ﷺ: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله» [رواه البخاري].
3. الغلو في حب الأشخاص:
الغلو في حب الأشخاص هو تجاوز الحد في حبهم وتقديسهم، والإفراط في اتباعهم وتقليدهم، وقد قال تعالى: ﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ﴾ [التوبة: 24]، وقال النبي ﷺ: «لا تجعلوني كبعض الأمم، قالوا: اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله» [رواه الترمذي].
4. الغلو في البدع:
الغلو في البدع هو الإفراط في اتباع البدع والتمسك بها، وتقديسها على حساب السنة النبوية، وقد قال تعالى: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ [آل عمران: 85]، وقال النبي ﷺ: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» [رواه البخاري].
5. الغلو في الزهد:
الغلو في الزهد هو الإفراط في ترك الدنيا والزهد فيها، والانقطاع عن الناس، وقد قال تعالى: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ [القصص: 77] وقال النبي ﷺ: «إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده» [رواه الترمذي].
6. الغلو في التقليد:
الغلو في التقليد هو الإفراط في اتباع العلماء والفقهاء وتقليدهم في أقوالهم وأفعالهم، دون النظر في أدلتهم وبراهينهم، وقد قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [الإسراء: 36] وقال النبي ﷺ: «لا تقلدوني، فقد هلك من قبلكم بالتقليد» [رواه الترمذي].
7. الغلو في الفتن:
الغلو في الفتن هو الإفراط في الانخراط فيها والمشاركة فيها، والتأجيج لها، وقد قال تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ﴾ [الأنعام: 68] وقال النبي ﷺ: «إذا رأيت الناس قد سفكوا الدماء وانتهكوا المحارم، فاستطعت أن تعتزلهم فافعل» [رواه الترمذي].
الخاتمة:
الغلو في الدين مذموم شرعًا وعقلاً، وهو يؤدي إلى الانحراف عن الصراط المستقيم، وقد حذر الإسلام من الغلو ونهى عنه، ودعا إلى الوسطية والاعتدال، فالمسلم الحكيم هو الذي يتبع هدي النبي ﷺ ويقتدي به، ويأخذ من دينه ما فيه الرفق واليسر، ويترك ما فيه الشدة والعسر، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسدّدوا وقاربوا، واستعينوا بالرفق، ولا تعجزوا» [رواه البخاري].