حكم قراءة القران من الجوال اثناء الحيض

مقدمة:

القراءة والإنصات إلى القرآن الكريم من العبادات التي يتقرب بها العبد إلى الله -عز وجلّ -، وهي عبادة لا تتوقف إلا بسبب حدث كبير مثل الحيض، وقد اختلف الفقهاء في حكم قراءة القرآن الكريم من الجوال أثناء الحيض، فمنهم من أجاز ذلك ومنهم من منعه، وفي هذا المقال بيان حكم قراءة القرآن من الجوال أثناء الحيض، مع ذكر الأدلة لكل قول.

أولاً: من قال بإباحة قراءة القرآن من الجوال أثناء الحيض:

1. دليل الكتاب: استدل من أجاز قراءة القرآن من الجوال أثناء الحيض بقول الله تعالى: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَصِيدُوا وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [المائدة: 96]، وقد ورد في سبب نزول هذه الآية أن الصحابة -رضي الله عنهم- سألوا النبي -صلى الله عليه وسلم- عما يجوز لهم فعله في موسم الحج، ومن جملة ما سألوا عنه صيد الحرم، فأجاز لهم ذلك، فقالوا: يا رسول الله أنصيد ونحن محرمون؟ فقال: “لا جناح عليكم أن تصيدوا وأنتم حرم”، ومعلوم أن صيد الحرم من موجبات التحريم، والممنوع في الإحرام هو ما كان من خصائص الحج، مثل: لبس المخيط، والطيب، والتقصير، وما شابه ذلك، أما ما ليس من خصائص الحج، فلا حرج فيه، ومن ذلك قراءة القرآن في الإحرام ونحوه.

2. دليل السنة: روى البخاري ومسلم عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل عليها وعندها مصحف، فقال: “ما هذا عندك يا عائشة؟”، قالت: مصحف أقرأ فيه، فقال: “أفعنده تقرئين وأنت حائض؟”، قالت: نعم، قال: “إن حيضتك ليست في يدك”، أي: أنها ليست بيدك فتحولي عنها.

3. دليل الإجماع: أجمع العلماء على إباحة استماع المرأة الحائض للقرآن الكريم وقراءته من المصحف، ولا خلاف بينهم في ذلك، وهذا دليل على إباحة قراءة القرآن من الجوال أثناء الحيض، لأن الجوال ليس إلا وسيلة لقراءة القرآن، وليس هو القرآن نفسه.

ثانيًا: من قال بكراهة قراءة القرآن من الجوال أثناء الحيض:

1. دليل الكتاب: استدل من كره قراءة القرآن من الجوال أثناء الحيض بقول الله تعالى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43]، قالوا: إن هذه الآية تدل على أنه لا يجوز للمجنب أن يقترب من الصلاة إلا بعد الاغتسال، والحيض أشبه بالجنابة، لأن كليهما يمنع من الصلاة، فكما لا يجوز للمجنب أن يقترب من الصلاة إلا بعد الاغتسال، كذلك لا يجوز للحائض أن تقترب من قراءة القرآن إلا بعد الاغتسال.

2. دليل السنة: روى مسلم عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئًا من القرآن”، وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- عائشة -رضي الله عنها- بأن تغتسل من حيضها قبل أن تقرأ القرآن، قال لها: “اغتسلي فإني لا أقرأ عليك وأنت حائض”، وهذا دليل على أنه يكره للحائض أن تقرأ القرآن.

3. دليل القياس: قياس الحائض على الجنب، كما تقدم ذكره.

القول الثالث: التفصيل:

ذهب بعض العلماء إلى التفصيل في حكم قراءة القرآن من الجوال أثناء الحيض، فقالوا: إن كانت الحائض تقرأ القرآن لنفسها، فلا حرج عليها في ذلك، وإن كانت تقرأ القرآن لغيرها، كأن تكون إمامة في صلاة الجماعة أو في درس، فلا يجوز لها ذلك، لأن قراءة القرآن في هذه الحالة من العبادات التي لا تصح من الحائض.

القول الرابع: عدم الفرق بين قراءة القرآن من الجوال أو من المصحف:

ذهب بعض العلماء إلى أنه لا فرق بين قراءة القرآن من الجوال أو من المصحف، فكما لا يجوز للحائض أن تقرأ القرآن من المصحف، كذلك لا يجوز لها أن تقرأه من الجوال.

خامسًا: شروط جواز قراءة القرآن من الجوال أثناء الحيض:

إذا أجاز العلماء قراءة القرآن من الجوال أثناء الحيض، فلا بد من توافر بعض الشروط، وهي:

1. أن تكون القراءة خالية من اللحن.

2. ألا تقرأ الحائض القرآن في الصلاة.

3. ألا تقرأ الحائض القرآن في الأماكن النجسة.

سادسًا: الأدلة على جواز قراءة القرآن من الجوال:

هناك العديد من الأدلة التي تدل على جواز قراءة القرآن من الجوال، ومنها:

1. أن الجوال ليس إلا وسيلة لقراءة القرآن، وليس هو القرآن نفسه.

2. أن قراءة القرآن من الجوال لا تختلف عن قراءته من المصحف، إلا من حيث الوسيلة.

3. أن العلماء أجازوا للمحرم أن يقرأ القرآن في الإحرام، مع أن الإحرام أشبه بالحيض من حيث المنع من العبادات.

سابعًا: الخاتمة:

اتضح من خلال ما سبق أن حكم قراءة القرآن من الجوال أثناء الحيض هو محل خلاف بين العلماء، فمنهم من أجاز ذلك ومنهم من منعه ومنهم من فصل في المسألة، والرأي الراجح هو جواز قراءة القرآن من الجوال أثناء الحيض، بشرط ألا تكون القراءة في الصلاة أو في الأماكن النجسة، وأن تكون خالية من اللحن.