خطبة عن سب الدهر

خطبة عن سب الدهر

الخطبة: سب الدهر

مقدمة:

الحمد لله الذي خلق الدهر وجعله دروسًا وعبرًا، والصلاة والسلام على نبيه محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

فإن الدهر كثيرًا ما يكون موضع سب ولعن من الناس، فهو عندهم هو السبب في كل ما يعانون منه من مصائب ونكبات، وهو الذي يُعجّلهم إلى الشيخوخة والموت، وهو الذي يفرّق بين الأحبة، إلى غير ذلك من الأمور التي لا تنتهي.

وإن كان الدهر هو السبب في كل هذه الأمور، فهل يصح لنا أن نُسبه ونلعنه؟ وهل يجوز لنا أن نأخذ منه موقفًا سلبيًا؟ هذا ما سأحاول الإجابة عنه في هذه الخطبة، فاستمعوا إليّ.

أولًا: سب الدهر محرّم شرعًا:

لقد حرّم الله سب الدهر، في قوله تعالى: “وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ” [الأنعام: 108].

وذلك لأن الدهر هو مخلوق من مخلوقات الله، وهو آية من آياته الكبرى، فسبّه هو سبٌ لله تعالى، جلّ وعلا. ولأنه من الجحود وعدم الشكر، يقول عليه الصلاة والسلام: «لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر».

ثانيًا: سب الدهر لا يجدي نفعًا:

إن سب الدهر لن يُغير شيئًا ولن يرد مصيبة ولن يزيل كربًا، بل هو سيجعل الأمور أسوأ، وسيزيد من هموم الإنسان وأحزانه.

فبدلًا من أن يقف الإنسان موقفًا سلبيًا من الدهر، عليه أن يتعامل معه بإيجابية، وأن يحاول التكيّف معه، وأن يستفيد منه خير استفادة، فإن الدهر لا يقف عند أحد، ومهما فعل الإنسان فلن يقدر على إيقافه أو تغييره.

ثالثًا: الدهر فرصة لفعل الخيرات:

إن الدهر فرصة عظيمة لفعل الخيرات واغتنام الأوقات، فبدلًا من أن يسب الإنسان الدهر، عليه أن يشكره على هذه الفرصة، وأن يستغلها في عمل الصالحات والطاعات.

قال عليه الصلاة والسلام: «اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك».

رابعًا: الدهر موعظة وعبرة:

الدهر هو موعظة عظيمة للإنسان، فهو يذكره بفنائه ويزهدّه في الدنيا، ويرغّبه في الآخرة. قال تعالى: “وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ” [العنكبوت: 64].

وكلما ازداد الإنسان تقدمًا في العمر، زاد وعيه بهذا الأمر، وعرف أن الدنيا ليست سوى دار فانية، وأن الآخرة هي الدار الباقية.

خامسًا: الدهر ميدان للاختبار:

الدهر هو ميدان للاختبار والابتلاء، فالإنسان يُبتلى فيه بالمصائب والشدائد، وبالمُحَن والفتن، وذلك ليمتحن صبره وقوة إيمانه.

وقد جعل الله تعالى لكل إنسان قدرًا معينًا من العمر، فإذا حان أجله لا يستطيع أن يتأخر عنه ولو لحظة واحدة.

سادسًا: الدهر رحلة إلى الآخرة:

الدهر هو رحلة طويلة إلى الآخرة، ولكل إنسان محطة معينة فيها، فإذا وصل إليها انتهى أجله، وانتقل إلى الدار الآخرة.

قال تعالى: “وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ” [لقمان: 34].

فالإنسان لا يعلم متى يموت، ولا أين يموت، ولا كيف يموت، لكن عليه أن يكون مستعدًا دائمًا لهذه اللحظة، وأن يحسن العمل ويستكثر من الطاعات.

سابعًا: الدهر هو العمر:

الدهر هو العمر المحدود للإنسان في هذه الدنيا، وهو الوقت الذي أمامه لإنجاز مهامه وتحقيق أهدافه، وهو الفرصة التي أعطاه الله إياها ليعمل الصالحات ويكسب الحسنات.

وقد قسم الله تعالى العمر إلى قسمين: قسم الدنيا وقسم الآخرة، فدنيا الإنسان هي الفترة التي يعيشها في هذه الحياة، وآخرة الإنسان هي الفترة التي يعيشها في الدار الآخرة، بعد الموت.

الخاتمة:

وفي الختام، فإن الدهر هو مخلوق من مخلوقات الله، وهو آية من آياته الكبرى، وسبّه هو سبٌ لله تعالى، جلّ وعلا.

كما أن سب الدهر لا يجدي نفعًا، بل هو سيجعل الأمور أسوأ، وسيزيد من هموم الإنسان وأحزانه.

فالدهر هو فرصة عظيمة لفعل الخيرات واغتنام الأوقات، وهو موعظة عظيمة للإنسان، وهو ميدان للاختبار والابتلاء، وهو رحلة طويلة إلى الآخرة.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا حسن الاستفادة من أعمارنا، وأن يوفقنا لفعل الخير والطاعات، وأن يعيننا على الصبر على المصائب والشدائد، وأن يجعل عاقبتنا إلى خير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *