هل نزول الدم يفطر

هل نزول الدم يفطر

المقدمة:

إن مسألة نزول الدم أثناء الصيام من المسائل التي شغلت بال المسلمين منذ القدم، وذلك نظراً لارتباطها الوثيق بمسألة صحة الصوم وبطلانه. وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين رئيسيين: القول الأول يرى أن نزول الدم يفطر الصائم، والقول الثاني يرى أن نزول الدم لا يفطر الصائم. وفي هذا المقال سوف نتناول هذه المسألة بالتفصيل، وسنستعرض أدلة الفريقين، وفي النهاية سنرجح أحد القولين.

أدلة الفريق الأول القائل بأن نزول الدم يفطر الصائم:

1. الدليل من الكتاب الكريم: قال تعالى: “وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل”، وقد فسّر المفسرون هذه الآية الكريمة بأنها تدل على أن الصيام يبدأ من طلوع الفجر وينتهي عند غروب الشمس، وأن كل ما يدخل الجوف بعد طلوع الفجر يبطل الصوم.

2. الدليل من السنة النبوية: روى الإمام النسائي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “الصائم إذا أفطر ليلاً فلا قضاء عليه”. وقد فسر الفقهاء هذا الحديث بأن المقصود به أن كل من أفطر في نهار رمضان عمداً أو سهواً فعليه قضاء يوم آخر بدلاً منه.

3. الدليل من أقوال الصحابة والتابعين: نقل عن عدد من الصحابة والتابعين أنهم كانوا يرون أن نزول الدم أثناء الصيام يفطر الصائم. من هؤلاء الصحابة: علي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وأنس بن مالك. ومن هؤلاء التابعين: سعيد بن جبير، والحسن البصري، وإبراهيم النخعي.

أدلة الفريق الثاني القائل بأن نزول الدم لا يفطر الصائم:

1. الدليل من الكتاب الكريم: استدل الفريق الثاني بقول تعالى: “فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر”. وقد فسر الفقهاء هذه الآية الكريمة بأنها تدل على أن المريض والمسافر يجوز لهما أن يفطرا في نهار رمضان، وعليهما أن يقضيا يوماً آخر بدلاً من كل يوم أفطراه.

2. الدليل من السنة النبوية: روى الإمام البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه”. وقد فسر الفقهاء هذا الحديث بأن المقصود به أن من نسي أنه صائم فأكل أو شرب فإنه لا يبطل صومه.

3. الدليل من أقوال الصحابة والتابعين: نقل عن عدد من الصحابة والتابعين أنهم كانوا يرون أن نزول الدم أثناء الصيام لا يفطر الصائم. من هؤلاء الصحابة: ابن عباس، وابن عمر، وعائشة. ومن هؤلاء التابعين: عطاء بن أبي رباح، ومجاهد بن جبير، والزهري.

الراجح من القولين:

بعد استعراض أدلة الفريقين نرى أن الراجح من القولين هو القول الثاني القائل بأن نزول الدم لا يفطر الصائم. وذلك للأسباب التالية:

1. أن الدليل من الكتاب الكريم الذي استدل به الفريق الأول يتعلق ببدء الصوم ونهايته، ولا يتعلق بما يدخل الجوف أثناء الصيام.

2. أن الدليل من السنة النبوية الذي استدل به الفريق الأول يتعلق بقضاء الصيام، ولا يتعلق بما يبطل الصيام.

3. أن الدليل من أقوال الصحابة والتابعين الذي استدل به الفريق الأول ليس متواتراً، وبالتالي فهو لا يصلح لإثبات الحكم الشرعي.

خاتمة:

وبناءً على ما سبق نرجح القول القائل بأن نزول الدم لا يفطر الصائم. ومع ذلك، فإننا ننصح الصائمين باستشارة الطبيب إذا كانوا يعانون من أي أمراض مزمنة أو حادة، وذلك للتأكد من أن صيامهم لن يضر بصحتهم.

أضف تعليق