المقدمة:
الصيام عبادة عظيمة ومقصد شرعي من مقاصد الشريعة الإسلامية، وقد فرضه الله تعالى على المسلمين في شهر رمضان المبارك، كما ورد في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 183].
ويجوز للمسلم أن يصوم تطوعًا خارج شهر رمضان، كصيام أيام الاثنين والخميس، وصيام يوم عرفة، وصيام الأيام البيض من كل شهر، وغير ذلك من الأيام التي ورد فضل صيامها في السنة النبوية.
أما عن صيام يوم الجمعة منفردًا، فقد اختلف الفقهاء في جواز ذلك من عدمه، وسنتناول في هذا المقال أدلة الفريقين وأقوالهم في هذه المسألة.
أدلة جواز صيام يوم الجمعة منفردًا:
1. عدم وجود نص صريح في السنة النبوية يمنع من ذلك: لم يرد أي نص صريح في السنة النبوية يمنع من صيام يوم الجمعة منفردًا، ولم يرد أي حديث صحيح أو حسن أو حتى ضعيف في هذا الأمر.
2. فعل بعض الصحابة والتابعين لذلك: فقد روي عن بعض الصحابة والتابعين أنهم كانوا يصومون يوم الجمعة منفردًا، منهم الصحابي الجليل عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، والتابعي الجليل الحسن البصري رحمه الله.
3. إلحاق يوم الجمعة بباقي الأيام التي يجوز صيامها: حيث أن يوم الجمعة هو يوم كسائر الأيام، ولا يوجد ما يميزه عن باقي الأيام من حيث جواز الصيام أو منعه، إلا ما ورد في السنة النبوية من فضل صيام يوم عرفة ويوم عاشوراء.
أدلة عدم جواز صيام يوم الجمعة منفردًا:
1. النهي عن صيام يوم الجمعة منفردًا: فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَا تَصُومُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَّا مَعَ أُخْرَى».
2. تعارض صيام يوم الجمعة مع سنة الاجتماع: حيث أن يوم الجمعة هو يوم عيد للمسلمين، وفيه يجتمعون في المساجد لأداء صلاة الجمعة، وصيام هذا اليوم منفردًا قد يؤدي إلى تفويت هذه السنة العظيمة.
3. النهي عن التشبه باليهود والنصارى: حيث أن اليهود والنصارى يصومون يوم الجمعة، ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين عن صيام هذا اليوم منفردًا، خشية التشبه بهم.
الراجح في المسألة:
الراجح في المسألة هو عدم جواز صيام يوم الجمعة منفردًا، وذلك لعدة أسباب، منها:
1. وجود نهي صريح عن ذلك في السنة النبوية.
2. تعارض صيام يوم الجمعة مع سنة الاجتماع في المساجد لأداء صلاة الجمعة.
3. النهي عن التشبه باليهود والنصارى الذين يصومون يوم الجمعة.
حكم صيام يوم الجمعة قضائيًا:
إذا كان المسلم عليه صيام أيام قضائية، فلا حرج عليه في صيام يوم الجمعة، سواء كان منفردًا أو مع غيره، وذلك لأن صيام القضاء لا يشترط فيه الاجتماع مع غيره.
حكم صيام يوم الجمعة مع جماعة:
يجوز صيام يوم الجمعة مع جماعة، سواء كان ذلك في المسجد أو في أي مكان آخر، وذلك لأن صيام الجماعة أفضل من صيام الفرد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة».
حكم صيام يوم الجمعة إذا وافق يوم عرفة:
إذا وافق يوم الجمعة يوم عرفة، فإن صيام هذا اليوم يكون واجبًا على الحجاج والمعتمرين، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام».
الخاتمة:
وبناءً على ما سبق، فإن الراجح في المسألة هو عدم جواز صيام يوم الجمعة منفردًا، وذلك لعدة أسباب، منها: وجود نهي صريح عن ذلك في السنة النبوية، وتعارض صيام يوم الجمعة مع سنة الاجتماع في المساجد لأداء صلاة الجمعة، والنهي عن التشبه باليهود والنصارى الذين يصومون يوم الجمعة.