المقدمة:
إنّ العلاقة بين المتكلّم والمستودع سرّ لقاء يلتقي فيه قلبان، وعلى ضوء هذا السرّ، يسير المتكلّم في سبل الحياة، إذ إنّه يحتفظ في قلبه بما يرضي ربه ويسرّ خليله. ففي كلّ خطوة من خطوات حياته، وفي كلّ عمل يسعى إليه، يردّد: استودعتك الله يا ربّي الذي لا تضيع ودائعه.
وفي حين أنّ كثيرًا من الناس يودّعون بعضهم بكلمات الشكر والتقدير، إلا أنّ المؤمن لا ينسى أبدًا أن يودّع أحبّته بكلمات: استودعتك الله، وذلك من باب التبرّك والتحيّة.
فما هي أهمية هذه العبارة؟ وما هي الآثار الناتجة عنها؟ هذا ما سنتعرّف عليه في هذا المقال.
العبارة وأثرها:
الأثر الأوّل: يتعلّق بالعلاقة بين المتكلّم والمخاطب. إنّ كلمات استودعتك الله التي ينطق بها المتكلّم، تجعله يشعر بالسكينة والطمأنينة، وذلك لأنّه يدرك أنّه قد سلّم أمر المخاطب إلى الله تعالى، الذي لا يُضيع ودائع من استودعه.
الأثر الثاني: يتمثّل في زيادة الثقة والمودة بين المتكلّم والمخاطب. عندما ينطق المتكلّم بهذه العبارة، فإنه يعبّر عن ثقته الكبيرة بالمخاطب، ويؤكّد على أنّه سيحفظ الأمانة التي سلّمت إليه، وبالتالي فإنّ هذه العبارة تعزّز الثقة والمودة بينهما.
فضل الدعاء بالاستوداع:
لقد وردت العديد من النصوص التي تحثّ على الدعاء بالاستوداع، ومنها:
الحديث الشريف عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: “كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إذا ودّع أحدهم أخاه قال: استودعتك الله الذي لا تضيع ودائعه، فيقول أخوه: استودعتك الله الذي ردّ الروح إلى الجسد”.
حديث آخر عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: “كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ودّع الرجل قال: استودعتك الله الذي لا تضيع ودائعه، فردّ عليه قائل: وإيّاك فاستعاد ثلاثًا”.
أهمية الدعاء عند السفر:
السفر من الأمور التي ينبغي للمسافر فيها أن يكثر من الدعاء، ومن أفضل الأدعية التي يمكن للمسافر أن يرفعها إلى الله تعالى: الدعاء بالاستوداع.
فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: “من دعا بهذا الدعاء عند السفر: اللهم إنّي أسألك في سفري هذا البرّ والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علي سفري هذا، واطوِ لي بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إنّي أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل”.
الدعاء عند مرافقة المريض:
عندما يرافق المسلم مريضًا، فإنّه من السنة أن يدعو له بالشفاء العاجل. ومن أفضل الأدعية التي يمكن للمرافق للمريض أن يدعو بها: الدعاء بالاستوداع.
فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: “من عاد مريضًا فقال: أسأل الله العظيم ربّ العرش العظيم أن يشفيك، شفاه الله”.
الدعاء عند فقدان الشيء:
عندما يفقد المسلم شيئًا، فإنّه من السنة أن يدعو الله تعالى أن يرده إليه. ومن أفضل الأدعية التي يمكن للمسلم أن يدعو بها عند فقدان الشيء: الدعاء بالاستوداع.
فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: “من ضلّ له شيء، فليقل: اللهم رادّ الضالّة، ردّ عليّ ضالتي، فإنها ضالة، فإنها ضالة”.
الدعاء عند مواجهة المصاعب:
عندما يواجه المسلم مصاعب في حياته، فإنّه من السنة أن يدعو الله تعالى أن يفرّج كربته ويزيل همه. ومن أفضل الأدعية التي يمكن للمسلم أن يدعو بها عند مواجهة المصاعب: الدعاء بالاستوداع.
فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: “إذا حزنت، فقل: اللهم أنت حسبي ونعم الوكيل، عليك توكّلت وإليك أنبت، لا حول ولا قوة إلا بك”.
الخاتمة:
إنّ الدعاء بالاستوداع من الأدعية المباركة التي ينبغي للمسلم أن يكثر منها في جميع أحواله. فالدعاء بالاستوداع يبعث في القلب الطمأنينة والسكينة، ويزيد الثقة والمودة بين الناس، ويجلب الخير والبركة في الحياة.