اللهم إغننا بحلالك عن حرامك

اللهم إغننا بحلالك عن حرامك

اللَّهُمَّ أَغْنِنَا بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ وبِفَضْلِكَ عَمَّن سِوَاكَ:

انشر الله تعالى في الأرض سبل الرزق الحلال، والفرص التي من شأنها أن تمكّن الإنسان من اكتساب المال بعيدًا عن الحرام، وفي ذلك حكمة ومصلحة للأمم والشعوب، ولذا يتوجب التنبه إلى هذه النعم وعدم إغفالها.

1. أسباب الغنى بالحلال:

– طلب الرزق الحلال: والمقصود أن يطلب الإنسان الرزق من الأعمال المباحة التي لا يعاقب عليها القانون أو تُبطل مروءته، كالتجارة والزراعة والصناعة، وكذلك كسب العلم والمعرفة ليكون شخصًا منتجًا ومفيدًا للمجتمع.

– الرضا بالقليل: فلا يجوز للإنسان أن يكون طمَّاعًا في جمع المال، فالله سبحانه وتعالى قد وزع الرزق على خلقه بقدر، ولذا قال عليه الصلاة والسلام: “مَنْ سَرَّهُ أنْ يُبْسَطَ لَهُ في رِزْقِهِ، ويُنْسَأَ لَهُ في أَجَلِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ” [الطبراني في الكبير].

– الابتعاد عن الحرام: فكسب الحرام يُفسِد القلب، ويجعل كسب الحلال عسيرًا للغاية، ومن الأمثلة على الحرام الذي يُفسد الرزق الربا، والغش التجاري، والكذب والخداع، وتناول أموال الناس بالباطل.

2. فوائد الغنى بالحلال:

– راحة البال: فالإنسان الذي يحافظ على الحلال في ماله، لا يشك قلبه في حيازة المال، ولا يُلتمس له العلل أمام الناس، ولا يُعنف ضميره على أكل ما لا يحق له.

– بركة المال: فالمال الحلال ينمو ويتضاعف، ويدفع صاحبه في المحن، ويستطيع الإنسان أن ينفقه في طاعة الله؛ مما يزيد في ثوابه، وقد رُوي عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قوله: “إِنَّ الْحَلَالَ مُبَارَكٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ مُبَارَكَ فِيهِ” [ابن ماجة].

– سعة الرزق: فالله سبحانه وتعالى يمنح عباده الذين يتحرزون عن الحرام ويحافظون على الحلال سعة في الرزق، وقد رُوي عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قوله: “وَمَنْ تَرَكَ شَيْئًا لِلَّهِ، عَوَّضَهُ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهُ” [مسلم].

3. أسباب الفقر بالحرَام:

– كسب الحرام: فكل من يُقدم على الكسب الحرام يفتح لنفسه أبواب الفقر؛ وذلك لأن الحرام لا بركة فيه، وأيّ مال في يد الإنسان من الحرام فهو سبب من أسباب الفقر.

– عدم الرضى بالقليل: والإنسان إذا قال: لا يكفيني أريد أكثر من المال، فهو يُسلك طريق الفقر، فالله سبحانه وتعالى قد وضع حلًا للفقر في الأرض، وهو الرضى بالقسمة، فبادر إلى تزكية نفسك بالرضا.

– التكبر والتبذير: والعلاقة بين التكبر والتبذير قوية، فالإنسان المتكبر قد يضيع ماله في إثبات أنه أعلى شأنًا من غيره، وهذا سلوك غير محببٍ.

4. أخطار الفقر بالحرَام:

– الشقاء في الدنيا والآخرة: فالإنسان الذي يعتمد على الحرام في كسب ماله يتعرض للشقاء في الدنيا في عيشه بين الناس وفي قلبه وفي نفسه وفي عِرضه، وفي الآخرة بعقابه في نار جهنم.

– عدم استجابة الدعاء: فالله سبحانه وتعالى لا يستجيب دعاء عبده إذا كان ماله حرامًا، فعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قال: “أَكَلَ رَجُلٌ طَعَامًا مِنْ حَرَامٍ، فَأَوْرَثَ ذَلِكَ جَسَدَهُ، فَدَعَا فَلَمْ يُسْتَجَبْ لَهُ” [الترمذي].

– الابتلاء بالدنيا: فالإنسان إذا ضاق صدره بالفقر واتبع طريق الحرام في الكسب، فإن الله سبحانه وتعالى يبتليه بالدنيا، فينزل عليه بلا القروض والديون التي تُنغص عليه عيشه.

5. كيف نحفظ الحلال في المال؟:

– اتق الله تعالى: واتباع التقوى طريق النجاة من الوقوع في الحرام، فالله سبحانه وتعالى أمرنا باتباع التقوى في كل أحوالنا، فقال تعالى: “وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ” [الحشر: 18].

– شُغل الوقت بالطاعة: فالكثير من الناس يُقدمون على الحرام في الكسب لكثرة وقتهم وفراغهم، والرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: “نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ” [البخاري].

– تعلم العلم: فالكثير من الناس يقعون في الحرام نتيجة جهلهم بالحلال والحرام، ولا سبيل للنجاة من الوقوع في الحرام إلا بتعلم العلم الشرعي، لعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- من قال: “على رسلك ما علمت” [البيهقي].

6. طلب الرزق ليس عيبًا:

– الرزق من الله تعالى: طلب الرزق ليس عيبًا، بل هو من العبادات التي يثاب عليها الإنسان، فالإنسان يجب عليه أن يفعل الأسباب الدنيوية للتكسب من تجارة وصناعة وزراعة، وطلب للعلم الشرعي والنيِّة مع ذلك كلها لله سبحانه وتعالى.

– كان الأنبياء يتكسبون: فكثرة من الأنبياء كانوا يتكسبون بحرف يدوية مختلفة، فكان داود -عليه السلام- حدادًا، وكان سليمان -عليه السلام- صاحب تجارة، وكان إدريس -عليه السلام- خياطًا.

– مُصابرة الإنسان على طلب الرزق: ومن صبر على طلب الرزق من الحلال وتكبد مشاق الكسب، وحصل له من المال ما يغفر لعياله، فهو شهيد في سبيل الله –سبحانه وتعالى–.

7. آداب التعامل مع المال:

– الإنفاق في سبيل الله تعالى: فمن النفوس التي كرمها الله هي النفوس التي تنفق في سبيل الله تعالى، فالمال مال الله سبحانه وتعالى، ونحن مستخلفون عليه، والمال ليس ضرورة فلا يجب أن يكون شيء ضروري يتعلق به.

– الاعتدال في الإنفاق: فالإنسان عليه أن يعتدل في إنفاقه، ولا يكون بخيلاً ولا مُبذرًا، وأن يُحاسب نفسه على كل صغيرة وكبيرة، ويعلم بأن يوم القيامة عرض على الناس أعمالهم.

– إخراج الزكاة: فإخراج الزكاة تطهير للمال، وإخراج الزكاة من شأنه أن يُهيئ المال لبركة الله سبحانه وتعالى فيه، فيكون المال حلالًا طيبًا.

الخاتمة:

في النهاية، فإن “اللهم أغِنِنا بحلالكَ عن حرامكَ” دعاءٌ عظيمٌ يجدر بكل فردٍ منا ترديده، فاللهُ –سبحانه وتعالى– هو الرزاق ذو الرحمة الواسعة الذي يمنُّ على عباده برزقٍ حلالٍ طيِّب، وقد بيَّن لنا –سبحانه وتعالى– سبل طلب الرزق الحلال وحثَّنا على اكتسابهِ والبعد عن مكاسب الحرام مهما كانت الأسباب، فالحرامُ جرعة سمٍّ تُفسد حياة صاحبها في الدُّنيا والآخرة.

أضف تعليق