حكم إنكار القدر

حكم إنكار القدر

مقدمة

القدر هو ما كتبه الله تعالى ونفذه، ويشمل أقدار الخير والشر، والمقادير الكونية والنفسية، وما قضاه الله تعالى لعباده في هذه الدنيا من رزق أو أجل أو غير ذلك. وإنكار القدر هو الاعتقاد بأن الله لا يقدر الأشياء، أو أنه لا يعلم بها، أو أنه لا يتحكم فيها، أو أنه لا يؤثر فيها، وهذا كله كفر بالله تعالى، وخروج عن ملة الإسلام.

أدلة إنكار القدر

1. الدليل العقلي:

العقل السليم يدرك أن العالم منظم ومرتّب، وأن هناك سببًا لكل مسبب، وأن هذا النظام والترتيب لا يمكن أن يكون من قبيل الصدفة أو العشوائية، بل لا بد أن يكون هناك مسبب لهذا النظام، وهذا المسبب هو الله تعالى.

وإذا لم يكن هناك قدر، فإن هذا يعني أن الأشياء تحدث بدون سبب، وهذا مستحيل عقلاً، لأن كل شيء لا بد أن يكون له سبب.

ولو جاز حدوث الأشياء بغير أسباب، لبطلت الحكمة من بعثة الرسل وإرسال الكتب، إذ لا فائدة من الأمر والنهي، والثواب والعقاب، إذا كانت الأشياء تحدث بغير سبب.

2. الدليل النقلي:

وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية الكثير من النصوص التي تدل على ثبوت القدر، منها قوله تعالى: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى}[النجم: 45-46].

وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[البقرة: 20].

وقوله تعالى: {مَا أَصَابَ مِن مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}[الحديد: 22].

وورد في السنة النبوية الكثير من الأحاديث التي تدل على ثبوت القدر، منها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة”.

الرد على شبهات منكري القدر

1. شبهة عدم وجود العدل الإلهي:

يدعي منكرو القدر أنه إذا كان الله تعالى هو الذي يقدر الأشياء، فإن هذا يعني أنه ظالم، لأنه يقدر على الظلم ويقدر على العدل، ولكنه اختار الظلم على العدل.

والرد على هذه الشبهة أن الله تعالى ليس ظالماً، بل هو عادل، وعدله لا يتنافى مع قدرته على الظلم، فالله تعالى قادر على أن يظلم ولكنه لا يفعل، لأنه عادل.

2. شبهة عدم حرية الاختيار:

يدعي منكرو القدر أنه إذا كان الله تعالى هو الذي يقدر الأشياء، فإن هذا يعني أن الإنسان ليس حرًا في اختياراته، وأن كل شيء مسطر عليه ومكتوب في اللوح المحفوظ.

والرد على هذه الشبهة أن الإنسان حر في اختياراته، وأن الله تعالى لم يجبره على شيء، بل أعطاه حرية الاختيار، ولكن الله تعالى يعلم مسبقًا ما سيختاره الإنسان، وهذا لا ينافي حرية الاختيار.

3. شبهة عدم جدوى العمل:

يدعي منكرو القدر أنه إذا كان الله تعالى هو الذي يقدر الأشياء، فإن هذا يعني أن عمل الإنسان لا فائدة منه، وأن كل شيء مقدر ومكتوب، فما فائدة العمل إذا كان سيحدث ما هو مكتوب؟

والرد على هذه الشبهة أن عمل الإنسان مفيد وله ثمرة، لأن الله تعالى أمرنا بالعمل ووعدنا بالجزاء على هذا العمل، فالعمل سبب للجزاء، والجزاء مكتوب في اللوح المحفوظ.

أقسام القدر

1. قدر مُبرم:

هو ما قضاه الله تعالى لا يمكن تغييره أو تبديله، مثل الموت والأجل والرزق.

2. قدر معلّق:

هو ما قضاه الله تعالى ولكنه جعل تغييره ممكنًا، مثل الأمراض والفقر والغنى.

أسباب إنكار القدر

1. الجهل:

الجهل بأدلة ثبوت القدر، والجهل بحكمة الله تعالى في تقدير الأشياء، من أكبر أسباب إنكار القدر.

2. التعصب:

التعصب لبعض الفرق والمذاهب التي تنكر القدر، أو التعصب لبعض الفلاسفة والمفكرين الذين أنكروا القدر، من أسباب إنكار القدر.

3. الشهوات:

اتباع الشهوات والرغبات، والهروب من التكاليف الشرعية، من أسباب إنكار القدر، لأن إنكار القدر يبرر للإنسان اتباع شهواته ورغباته، ويجعله يتهرب من التكاليف الشرعية.

حكم إنكار القدر

إنكار القدر كفر بالله تعالى، وخروج عن ملة الإسلام، لأن إنكار القدر ينفي علم الله تعالى وقدرته وحكمته، وينفي عدله سبحانه وتعالى.

الآثار المترتبة على إنكار القدر

1. الآثار الدينية:

إنكار القدر يضعف الإيمان بالله تعالى، ويؤدي إلى الكفر بالله تعالى، وخروج عن ملة الإسلام.

2. الآثار الأخلاقية:

إنكار القدر يؤدي إلى انتشار الفوضى والفساد في المجتمع، لأن إنكار القدر يجعل الإنسان يتصرف كيفما شاء، دون أن يبالي بالعواقب.

الخاتمة

إنكار القدر بدعة ضالة، وكفر بالله تعالى، وخروج عن ملة الإسلام، والواجب على كل مسلم أن يتبرأ من هذه البدعة، وأن يؤمن بالقدر خيره وشره، وأن يرضى بما قسمه الله تعالى له.

أضف تعليق