حكم الحلف كذبا لدفع ضرر

حكم الحلف كذبا لدفع ضرر

العنوان: حكم الحلف كذبا لدفع ضرر

المقدمة:

الحلف هو إثبات الشيء أو نفيه مصحوبا بالقسم أو اليمين، وقد يكون الحلف صادقا أو كاذبا، وقد يكون الحلف واجبا أو محرما أو مكروها بحسب الأحوال، فمتى كان الحلف واجبا وجب الوفاء به، وإذا كان محرما حرم الوفاء به، وإذا كان مكروها كُرِه الوفاء به، وفي هذا السياق سنُلقي الضوء على حكم الحلف كذبا لدفع ضرر.

أولا: تعريف الحلف كذبا:

الحلف كذبا هو إثبات الشيء أو نفيه مصحوبا بالقسم أو اليمين مع عدم مطابقة ذلك للواقع، والحلف الكاذب هو من أعظم الذنوب وأشدها خطرا على الفرد والمجتمع، قال تعالى: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 224]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من حلف كاذبا متعمدا فقد برئ من الله وبرئ الله منه”.

ثانيا: صور الحلف كذبا لدفع ضرر:

1. الحلف كذبا لتفادي عقوبة أو ضرر:

مثل أن يحلف المرء كذبا على أنه لم يرتكب جريمة ما لتجنب السجن أو العقوبة.

2. الحلف كذبا للحصول على منفعة أو مكسب:

مثل أن يحلف التاجر كذبا على أن سلعته ذات جودة عالية لزيادة المبيعات.

3. الحلف كذبا لإخفاء حقيقة أو سر:

مثل أن يحلف المرء كذبا على أنه لم يطلع على معلومات معينة حساسة أو سرية.

ثالثا: حكم الحلف كذبا لدفع ضرر:

1. حرمة الحلف كذبا مطلقا:

ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الحلف كذبا محرم مطلقا، ولا يجوز في أي حال من الأحوال، حتى وإن كان دفع ضرر أو جلب نفع، قال تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 188].

2. جواز الحلف كذبا في حالات الضرورة:

يرى بعض الفقهاء أنه يجوز الحلف كذبا في حالات الضرورة القصوى، مثل أن يُكره المرء على الحلف كذبا تحت تهديد السلاح أو التعذيب، أو أن يكون الحلف كذبا هو السبيل الوحيد لإنقاذ حياة شخص بريء.

3. شروط جواز الحلف كذبا في حالات الضرورة:

إذا جاز الحلف كذبا في حالات الضرورة، فلا بد أن تتحقق الشروط التالية:

– أن يكون الحلف كذبا هو السبيل الوحيد لتفادي الضرر أو جلب النفع.

– أن يكون الضرر أو النفع كبيرا ومحققا.

– أن لا يكون هناك وسيلة أخرى لتفادي الضرر أو جلب النفع غير الحلف كذبا.

رابعا: عقوبة الحلف كذبا:

1. عقوبة الحلف كذبا في الدنيا:

الحلف كذبا من كبائر الذنوب، وقد توعد الله تعالى الكاذبين بعقوبات شديدة في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَلَا تُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ مَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [البقرة: 224-225].

2. عقوبة الحلف كذبا في الآخرة:

أقسم الله تعالى في محكم تنزيله أن الكاذبين سيُحاسبون حسابا عسيرا في الآخرة، قال تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر: 92-93].

خامسا: كيفية التوبة من الحلف كذبا:

1. الإقرار بالذنب والاستغفار منه:

يجب على من حلف كذبا أن يُقر بذنبه ويستغفر الله تعالى منه، قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53].

2. التخلص من أثر الحلف الكاذب:

إذا ترتب على الحلف الكاذب ضرر أو ضياع حق، فيجب على الحالف أن يُزيل هذا الضرر ويُعيد الحق إلى أصحابه، قال تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [الإسراء: 34].

3. الإكثار من الأعمال الصالحة:

يجب على من حلف كذبا أن يُكثر من الأعمال الصالحة التي تُكفر عن ذنبه، مثل الصلاة والزكاة والصيام والصدقات.

سادسا: آثار الحلف كذبا على الفرد والمجتمع:

1. آثار الحلف كذبا على الفرد:

– فقدان الثقة والأمانة.

– الشعور بالذنب والندم.

– التعرض للعقوبة الإلهية في الدنيا والآخرة.

2. آثار الحلف كذبا على المجتمع:

– انتشار الفساد والظلم.

– انهيار الثقة بين أفراد المجتمع.

– ضعف الروابط الاجتماعية.

سابعا: الخاتمة:

الحلف كذبا من كبائر الذنوب، وقد نهى الله تعالى عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز الحلف كذبا في أي حال من الأحوال، إلا في حالات الضرورة القصوى، بشرط أن تتحقق الشروط المذكورة، فالحلف كذبا فيه ضرر كبير على الفرد والمجتمع، وقد توعد الله تعالى الكاذبين بعقوبات شديدة في الدنيا والآخرة، فمن حلف كذبا فعليه التوبة النصوح والاستغفار من الله تعالى، والعمل على إزالة أثر الحلف الكاذب والإكثار من الأعمال الصالحة التي تُكفر عن ذنبه.

أضف تعليق