هل يجوز الرحمة لغير المسلم

هل يجوز الرحمة لغير المسلم

هل يجوز الرحمة لغير المسلم؟

مقدمة:

الرحمة هي شعور بالتعاطف والشفقة تجاه الآخرين، وترتبط ارتباطًا وثيقًا بالإحسان واللطف. وفي الإسلام، لا يقتصر مفهوم الرحمة على المسلمين فقط، بل يمتد ليشمل جميع الناس، حتى غير المسلمين. وتتجلى هذه الرحمة في العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحث على الرحمة واللطف بالآخرين، مهما كانت ديانتهم أو معتقداتهم.

1. الرحمة في القرآن الكريم:

“وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ”. (المائدة: 2)

“وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ”. (العنكبوت: 9)

“وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ”. (التوبة: 6)

2. الرحمة في السنة النبوية:

عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء”. (رواه أبو داود والترمذي)

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا عائشة، من لا يرحم لا يرحم”. (رواه البخاري ومسلم)

عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا معاذ، إن الله رحيم يحب الرفق ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف ولغيره”. (رواه مسلم)

3. الرحمة لغير المسلمين في التاريخ الإسلامي:

كان الرسول صلى الله عليه وسلم يُحسن إلى غير المسلمين ويعاملهم بالرحمة واللطف، ومن ذلك ما حدث عندما أرسل إلى ملك الروم هرقل رسالة يدعوه فيها إلى الإسلام، فأحسن هرقل معاملة الرسول وصحبه، وأمر لهم بالطعام والشراب.

ومن الأمثلة الأخرى على رحمة المسلمين لغير المسلمين ما فعله الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما فتح بيت المقدس، حيث أمن أهل المدينة على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم.

كذلك، كان الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز رحمه الله يُحسن إلى غير المسلمين ويُعينهم على مصالحهم، حتى قيل إنه كان يصرف من بيت مال المسلمين رواتب شهرية لبعض فقراء النصارى واليهود.

4. الرحمة لغير المسلمين في الفقه الإسلامي:

يرى جمهور الفقهاء أن الرحمة لغير المسلمين واجبة، وذلك استنادًا إلى الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحث على الرحمة واللطف بالآخرين، مهما كانت ديانتهم أو معتقداتهم.

ومن صور الرحمة التي يجب على المسلم أن يُظهرها لغير المسلم: إطعام الطعام، وكسوة العاري، وإيواء اللاجئ، وإغاثة الملهوف، وإكرام الجار، وعيادة المريض، وتشييع الجنازة، وغير ذلك من صور الإحسان واللطف.

ومع ذلك، فقد اختلف الفقهاء في حكم معاملة غير المسلمين في حالة الحرب، فذهب بعضهم إلى وجوب قتالهم حتى يُسلموا أو يدفعوا الجزية، بينما ذهب آخرون إلى جواز قتالهم إذا اعتدوا على المسلمين أو نقضوا العهد معهم.

5. الرحمة لغير المسلمين في المجتمعات الإسلامية المعاصرة:

للأسف، لا يزال هناك بعض المسلمين الذين لا يُظهرون الرحمة لغير المسلمين، بل يعاملونهم بقسوة وجفاء. وهذا أمر مخالف لتعاليم الإسلام الذي يدعو إلى الرحمة واللطف بالآخرين، مهما كانت ديانتهم أو معتقداتهم.

ومع ذلك، فإن هناك أيضًا العديد من المسلمين الذين يُظهرون الرحمة لغير المسلمين ويتعاملون معهم بلطف وإحسان. وهذا يدل على أن الرحمة لغير المسلمين هي جزء لا يتجزأ من تعاليم الإسلام ومن ثقافة المسلمين.

ومن الأمثلة المعاصرة على رحمة المسلمين لغير المسلمين ما قامت به بعض الدول الإسلامية من استقبال واستضافة للاجئين من مختلف دول العالم، بغض النظر عن ديانتهم أو معتقداتهم.

6. الرحمة لغير المسلمين في العلوم الاجتماعية:

لقد أظهرت العديد من الدراسات أن الرحمة لغير المسلمين لها العديد من الفوائد الإيجابية على الفرد والمجتمع. فعلى سبيل المثال، وجدت إحدى الدراسات أن الرحمة لغير المسلمين تساعد على تعزيز الشعور بالانتماء والقبول لدى الأشخاص من مختلف الديانات والمعتقدات.

كما وجدت دراسة أخرى أن الرحمة لغير المسلمين تساعد على تقليل العنف والصراع بين مختلف الجماعات الدينية.

بالإضافة إلى ذلك، وجدت دراسة ثالثة أن الرحمة لغير المسلمين تساعد على تحسين الصحة العقلية للأفراد.

7. الخاتمة:

الرحمة لغير المسلمين هي واجب إسلامي وإنساني، وهي جزء لا يتجزأ من تعاليم الإسلام ومن ثقافة المسلمين. ومن خلال إظهار الرحمة لغير المسلمين، نساهم في بناء مجتمع أكثر سلامًا وتسامحًا وتكافلًا.

وبالله التوفيق

أضف تعليق