وجعلنا من بين ايديهم سدا متى تقال

وجعلنا من بين ايديهم سدا متى تقال

المدخل

“وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون” (يس: 9)

تعتبر آية “وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون” من الآيات القرآنية التي تحمل دلالات ومعاني عميقة تتعلق بمسيرة الإنسان في الحياة الدنيا، وفي هذا المقال سوف نلقي الضوء على هذه الآية الكريمة من خلال دراسة أسباب نزولها ومضامينها وأسرارها.

أسباب نزول الآية

ورد في كتب التفسير أن سبب نزول هذه الآية الكريمة يتعلق بقصة سيدنا نوح عليه السلام وقومه، حيث إن قوم نوح كانوا مشركين يعبدون الأصنام من دون الله ويخالفون أوامره، فأرسل الله إليهم نوحا عليه السلام لهدايتهم إلى سواء السبيل، إلا أنهم كذبوه واستهزؤوا به، وعندما يئس نوح من إيمانهم ودعاهم إلى الله تعالى مرارا وتكرارا، توجه إلى ربه بالدعاء بأن يخلص المؤمنين منهم من الظالمين، فاستجاب الله لدعائه وأوحى إليه أن يصنع سفينة ويحمل فيها المؤمنين والحيوانات من كل نوع ذكر وأنثى اثنين اثنين، وذلك قبل أن يهلك الكافرين بالطوفان.

مضامين الآية

تتضمن الآية الكريمة مضامين عميقة تتعلق بمسيرة الإنسان في الحياة الدنيا، ومن هذه المضامين:

1. قدرة الله تعالى: تؤكد الآية الكريمة على قدرة الله تعالى المطلقة في خلق الكون وتدبير شؤونه، حيث إنه قادر على خلق السدود والحواجز التي تحول بين الإنسان وبين تحقيق أهدافه ورغباته.

2. مشيئة الله تعالى: تشير الآية الكريمة إلى أن الله وحده هو الذي يملك المشيئة الكاملة في الكون، فهو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء، وهو الذي يرفع من يشاء ويضع من يشاء.

3. ابتلاء الإنسان: تمثل الآية الكريمة دليلا على أن الإنسان في هذه الحياة معرض للاختبار والابتلاء من الله تعالى، وذلك من خلال وضعه في ظروف وتحديات مختلفة لاختبار صبره وثباته على الحق.

4. غفلة الإنسان: تشير الآية الكريمة إلى أن الإنسان قد يغفل عن ذكر الله تعالى وينشغل بالدنيا ومتاعها، مما يؤدي إلى إغشائه عن رؤية الحقائق والغايات الحقيقية للحياة.

5. هداية الله تعالى: تبين الآية الكريمة أن الله تعالى هو وحده الذي يهدي الإنسان إلى سواء السبيل، وهو الذي ينير بصيرته لكي يرى الحقائق كما هي.

6. مسؤولية الإنسان: تؤكد الآية الكريمة على مسؤولية الإنسان تجاه نفسه ومجتمعه، حيث إن عليه أن يسعى إلى هداية نفسه وإصلاحها، وأن يعمل على هداية الآخرين ونشر الخير والفضيلة في المجتمع.

7. جزاء الإنسان: تشير الآية الكريمة إلى أن الإنسان سوف يحاسب على أعماله في الحياة الدنيا، وسوف ينال جزاءه العادل في الحياة الآخرة.

أسرار الآية

تحتوي الآية الكريمة على أسرار عميقة تكشف عن حقائق غيبية لا يعلمها إلا الله تعالى، ومن هذه الأسرار:

1. السد بين الكافرين والهداية: يرمز السد المذكور في الآية الكريمة إلى الحواجز الروحية والنفسية التي تحول بين الكافرين وبين قبول هداية الله تعالى، وهي حواجز تتمثل في الشكوك والضلالات والشهوات والهوى.

2. السد بين المؤمنين والفتن: يرمز السد المذكور في الآية الكريمة أيضًا إلى الحواجز التي يحمي بها الله تعالى المؤمنين من الفتن والضلالات التي تحيط بهم في الحياة الدنيا.

3. إغشاء البصيرة: يشير إغشاء البصيرة المذكور في الآية الكريمة إلى العمى الروحي الذي يصيب الكافرين والمنافقين، والذي يحول بينهم وبين رؤية الحقائق كما هي.

الخاتمة

تعتبر آية “وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون” من الآيات القرآنية التي تحمل دلالات ومعاني عميقة تتعلق بمسيرة الإنسان في الحياة الدنيا، فهي تؤكد على قدرة الله تعالى المطلقة ومشيئته الكاملة في الكون، وتبين أن الإنسان في هذه الحياة معرض للاختبار والابتلاء، وأن عليه أن يسعى إلى هداية نفسه وإصلاحها، وأن يعمل على هداية الآخرين ونشر الخير والفضيلة في المجتمع، كما تشير إلى أن الإنسان سوف يحاسب على أعماله في الحياة الدنيا وسوف ينال جزاءه العادل في الحياة الآخرة.

أضف تعليق