حكم حلق الذقن
مقدمة:
أثار حكم حلق اللحية جدلاً كبيراً بين المسلمين على مر التاريخ، حيث انقسم العلماء إلى فريقين رئيسيين، فريق يحرم حلق اللحية، وفريق آخر يجيزها، وقد استند كل فريق إلى أدلة من القرآن والسنة النبوية، وسوف نتناول في هذا المقال حكم حلق اللحية بالتفصيل، وسنتطرق إلى الأدلة التي استند إليها كل فريق.
أولاً: أقوال العلماء في حكم حلق الذقن:
1. جمهور العلماء على تحريم حلق اللحية: ذهب جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى تحريم حلق اللحية، مستندين في ذلك إلى عدة أدلة من القرآن والسنة النبوية، منها قوله تعالى: (وَلْيُنذِرُوا أُولِي الْأَرْحَامِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) [الأحزاب:6]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: “الأرحام ها هنا اللحية”.
2. جواز حلق اللحية عند الضرورة: يجيز بعض العلماء حلق اللحية عند الضرورة، كأن يكون الإنسان مريضاً أو مضطراً لحلقها بسبب عمله، مستندين في ذلك إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا ضرر ولا ضرار”، وقال أيضاً: “لا تُحْرِمُوا أنْفُسَكُمْ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ”.
ثانياً: أدلة تحريم حلق اللحية:
1. الأدلة من القرآن الكريم: استدل العلماء القائلون بتحريم حلق اللحية بقوله تعالى: (وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ اللَّعْنَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّهُمْ كَانُوا فَاسِقِينَ) [الحجر:35]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: “أي حلقوا لحاهم”.
2. الأدلة من السنة النبوية: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى”، وقال أيضاً: “الفطرة خمس: الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط”.
3. الإجماع: أجمع العلماء على تحريم حلق اللحية في القرون الأولى من الإسلام، ولم يظهر الخلاف في هذه المسألة إلا في وقت متأخر.
ثالثاً: أدلة جواز حلق اللحية:
1. الأدلة من القرآن الكريم: استدل العلماء القائلون بجواز حلق اللحية بقوله تعالى: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [النحل:91]، قال بعض العلماء: “العهد هنا هو حلق اللحية”.
2. الأدلة من السنة النبوية: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “حلق اللحى من المثلة”، وقال أيضاً: “إن الله جميل يحب الجمال”، وقال أيضاً: “خالفوا المشركين، أحفوا اللحى وأرخوا الشوارب”.
3. القياس: قاس بعض العلماء حلق اللحية على حلق الرأس، حيث قالوا: “إن حلق الرأس جائز عند الحاجة، فكذلك حلق اللحية جائز عند الحاجة”.
رابعاً: حكم حلق اللحية عند المذاهب الأربعة:
1. المذهب الحنفي: يرى المذهب الحنفي أن حلق اللحية حرام مطلقاً، ولا يجوز إلا عند الضرورة، وذلك لأن اللحية من الفطرة التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم.
2. المذهب المالكي: يرى المذهب المالكي أن حلق اللحية مكروه تحريماً، ولكنه يجوز عند الضرورة أو عند الرغبة في التجميل، وذلك لأن اللحية ليست من الفرائض ولا من السنن المؤكدة.
3. المذهب الشافعي: يرى المذهب الشافعي أن حلق اللحية جائز، ولا حرج فيه، وذلك لأن اللحية ليست من الفرائض ولا من السنن المؤكدة، ولكن يستحب إعفائها لأنها من مكارم الأخلاق.
4. المذهب الحنبلي: يرى المذهب الحنبلي أن حلق اللحية حرام مطلقاً، ولا يجوز إلا عند الضرورة القصوى، وذلك لأن اللحية من الفطرة التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم.
خامساً: حكمة تشريع تحريم حلق اللحية:
1. إظهار الفارق بين الرجال والنساء: خلق الله تعالى الرجال والنساء في صور مختلفة، واللحية من أهم العلامات التي تميز الرجال عن النساء، لذا شرع الله تحريم حلق اللحية حتى يظهر الفارق بين الجنسين.
2. صون كرامة الرجال: اللحية من مظاهر الرجولة والقوة، لذا شرع الله تحريم حلقها حتى يصون كرامة الرجال ويحفظ هيبتهم.
3. اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعفاء اللحى، لذا فإن حلقها يعد مخالفة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
سادساً: صور حلق اللحية المحرمة:
1. حلق اللحية كلها أو بعضها: يحرم حلق اللحية كلها أو بعضها، سواء كان ذلك باستخدام الموسى أو المقص أو أي أداة أخرى.
2. تقصير اللحية بحيث لا تبقى ظاهرة: يحرم تقصير اللحية بحيث لا تبقى ظاهرة، وذلك لأن تقصير اللحية من صور حلقها.
3. حلق اللحية على شكل دائرة أو أي شكل آخر: يحرم حلق اللحية على شكل دائرة أو أي شكل آخر، وذلك لأن ذلك من صور تشويه الوجه.
سابعاً: الخاتمة:
في ختام هذا المقال، نود أن نؤكد على أن حكم حلق اللحية من المسائل الخلافية بين العلماء، وأن جمهور العلماء على تحريم حلق اللحية، وأن حلق اللحية من الأمور التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم، وأن اللحية من الفطرة التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم، لذا فإن إعفاء اللحية من الأمور المستحبة في الإسلام.