ولا يجرمنكم شنئان قوم ان صدوكم عن المسجد الحرام

ولا يجرمنكم شنئان قوم ان صدوكم عن المسجد الحرام

المقدمة:

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

لقد أمرنا الله عز وجل في كتابه الكريم بالصبر على أذى الكفار، وعدم مقابلة شرهم بشر مثله، بل بالدعوة إلى الخير والصلاح، قال تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) (النحل: 125).

ومن صور الصبر على أذى الكفار، ما جاء في قوله تعالى: (ولا يجرمنكم شنئان قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا إن الله يحب المتقين) (المائدة: 2).

ففي هذه الآية الكريمة، ينهى الله عز وجل المسلمين عن الاعتداء على المشركين، حتى وإن منعوهم من دخول المسجد الحرام، وذلك لأن الله يحب المتقين الذين يصبرون على الأذى ولا يردون الإساءة بالإساءة.

معاني المفردات:

شنآن: البغضاء والكراهية.

صدوكم: منعوكم.

تعتدوا: تتجاوزوا وتظلموا.

المتقين: الذين يتقون الله ويطيعون أوامره وينتهون عن نواهيه.

أسباب نزول الآية:

نزلت هذه الآية الكريمة في قصة سرية عبد الله بن جحش، فقد خرج عبد الله بن جحش في سرية من المسلمين، وأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يغير على أحد من المشركين إلا بعد أن يبلغهم رسالة الإسلام، فخرج عبد الله بن جحش ومن معه من المسلمين، حتى وصلوا إلى نخلة بين مكة والطائف، فوجدوا بها عيراً لقريش، فيها تجارة عظيمة، فاستشار أصحابه في أمرها، فقال له بعضهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرك بقتال أحد، وإنما أمرك أن تبلغ الناس رسالة الإسلام، فلا تعتد عليهم، ولكن عبد الله بن جحش لم يأخذ بنصيحة أصحابه، فهاجم العير وأخذها، وقتل بعض من كان فيها، وأسر آخرين.

فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم بما فعله عبد الله بن جحش، غضب عليه وقال له: “لقد عصيتني في ثلاث: أمرتك أن لا تعتدي على أحد حتى تبلغه رسالة الإسلام، وأمرتك أن لا تغنم شيئاً حتى تبلغهم رسالة الإسلام، وأمرتك أن لا تقتل أحداً حتى يقاتلك، وقد خالفت أمري في ذلك كله”.

فأنزل الله عز وجل هذه الآية الكريمة تنهى المسلمين عن الاعتداء على المشركين، حتى وإن منعوهم من دخول المسجد الحرام.

دروس وعبر من الآية:

1. نهي الله عز وجل عن الاعتداء على المشركين، حتى وإن منعوهم من دخول المسجد الحرام.

2. وجوب الصبر على أذى الكفار وعدم مقابلة شرهم بشر مثله.

3. الدعوة إلى الخير والصلاح بالحكمة والموعظة الحسنة.

4. وجوب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم واتباع أوامره.

5. وجوب اتباع آداب الحرب في القتال.

6. وجوب عدم الغدر والخداع في الحرب.

7. وجوب عدم قتل الأسرى إلا إذا اقتضت الضرورة ذلك.

الآيات والأحاديث الدالة على ذات المعنى:

1. قال تعالى: (وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى) (الأنعام: 152).

2. قال تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) (الممتحنة: 8).

3. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاماً” (رواه البخاري).

4. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلاً صغيراً ولا امرأة ولا شيخاً فانياً ولا مريضاً” (رواه أبو داود).

القصص والأحداث التاريخية الدالة على ذات المعنى:

1. قصة سرية عبد الله بن جحش: كما ذكرنا سابقاً، فإن عبد الله بن جحش عصى أمر النبي صلى الله عليه وسلم وهاجم عير قريش وقتل بعض من كان فيها وأسر آخرين، فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك غضب عليه وقال له: “لقد عصيتني في ثلاث: أمرتك أن لا تعتدي على أحد حتى تبلغه رسالة الإسلام، وأمرتك أن لا تغنم شيئاً حتى تبلغهم رسالة الإسلام، وأمرتك أن لا تقتل أحداً حتى يقاتلك، وقد خالفت أمري في ذلك كله”.

2. قصة صلح الحديبية: في عام 6 هـ، خرج النبي صلى الله عليه وسلم ومعه المسلمون إلى مكة لأداء العمرة، ولكن المشركين منعوهم من دخول مكة، فقام النبي صلى الله عليه وسلم بالصلح معهم على أن يعودوا في العام القادم لأداء العمرة.

3. قصة فتح مكة: في عام 8 هـ، فتح المسلمون مكة دون قتال، بعد أن استسلم أهل مكة ودخلوا في الإسلام.

الخاتمة:

في نهاية هذا المقال، يجب أن ندرك أن الإسلام دين سلام وتسامح، وأن الله عز وجل نهى المسلمين عن الاعتداء على المشركين، حتى وإن منعوهم من دخول المسجد الحرام. ومن واجب المسلمين الصبر على أذى الكفار وعدم مقابلة شرهم بشر مثله، بل بالدعوة إلى الخير والصلاح بالحكمة والموعظة الحسنة.

أضف تعليق