المقدمة:
اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا. هذا الدعاء هو أحد الأدعية التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو من أجمل الأدعية التي يمكن أن يدعو بها المسلم لربه، فهو دعاء بالعفو والمغفرة من الله تعالى، والله تعالى يحب العفو ويحب عباده الذين يعترفون بذنبهم ويتوبون إليه ويسألونه العفو والمغفرة.
1. فضل العفو عند الله تعالى:
العفو من صفات الله تعالى الحسنى، وهو من أعظم نعمه على عباده، قال تعالى: “وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا” (التغابن: 14).
العفو من أسباب دخول الجنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من ترك العفو وهو قادر عليه لم يدخل الجنة” (رواه أبو داود).
العفو من أسباب حصول المغفرة من الله تعالى، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من عفا عن مظلمة قدر على أن ينتقم منها كتب الله له براءة من النار” (رواه أبو داود).
2. أسباب العفو عند الله تعالى:
التوبة النصوح: وهي التوبة التي تنقطع معها الذنوب، ويكون فيها العزم على عدم العودة إليها مرة أخرى، قال تعالى: “إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ” (البقرة: 222).
الندم على الذنب: وهو الشعور بالأسف والحزن على ما اقترفته يد المرء من ذنوب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “الندم توبة” (رواه أحمد).
دعاء الله تعالى بالعفو والمغفرة: وهو من أهم أسباب العفو عند الله تعالى، قال تعالى: “وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ” (المؤمنون: 118).
3. صور العفو:
العفو عن المسيء: وهو من أعظم صور العفو، وهو من صفات المتقين، قال تعالى: “وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ” (الرعد: 21).
العفو عن الجاني: وهو من صفات الكرماء، وهو من أسباب حصول المغفرة من الله تعالى، قال تعالى: “وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى” (البقرة: 237).
العفو عن النفس: وهو من أصعب صور العفو، وهو من صفات الأتقياء، قال تعالى: “وَالَّذِينَ هُمْ لِأَنْفُسِهِمْ قَاسِطُونَ” (الشعراء: 217).
4. فوائد العفو:
العفو يورث المحبة بين الناس، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مسلم، تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد شهرًا” (رواه الطبراني).
العفو يورث السلامة من العقاب، قال تعالى: “وَمَنْ يَعْفُ وَيَصْفَحْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ” (الشورى: 40).
العفو يورث الفلاح في الدنيا والآخرة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من ترك العفو وهو قادر عليه عاقبه الله يوم القيامة” (رواه أبو داود).
5. كيفية العفو:
أن يكون العفو لله تعالى، لا لمدح الناس أو ثنائهم، قال تعالى: “وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي” (يوسف: 53).
أن يكون العفو شاملاً كاملاً، لا ينقص منه شيء، قال تعالى: “فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ” (المائدة: 13).
أن يكون العفو عن قناعة ورضا، لا عن ضعف أو عجز، قال تعالى: “وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى” (البقرة: 237).
6. مواقف من العفو في القرآن الكريم والسنة النبوية:
عفو النبي يوسف عليه السلام عن إخوته الذين باعوه في صغره، قال تعالى: “قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ” (يوسف: 92).
عفو أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن الأسود العنسي الذي سب المسلمين، وقال: “يا معشر المسلمين، إني كنت أسبكم وأبغضكم، وقد هداني الله للإسلام، وإني تائب إلى الله تعالى، وأسألكم العفو والمغفرة”.
عفو عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن عمرو بن العاص رضي الله عنه الذي كان قد خانه في الجاهلية.
الخاتمة:
العفو من أعظم صفات الله تعالى، وهو من أعظم نعمه على عباده، وهو من أسباب دخول الجنة، وحصول المغفرة من الله تعالى، وهو من صفات المتقين والكرماء والأتقياء. العفو يورث المحبة بين الناس، والسلامة من العقاب، والفلاح في الدنيا والآخرة. يجب علينا أن نعفو عن إخواننا المسلمين، لأن العفو من صفات المؤمنين، ولأن الله تعالى يحب العفو ويحب عباده الذين يعترفون بذنبهم ويتوبون إليه ويسألونه العفو والمغفرة.