حكم الاستعانة بالكفار

حكم الاستعانة بالكفار

حكم الاستعانة بالكفار

مقدمة:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه أجمعين.

أما بعد،

فإن من القضايا التي تثير الجدل بين المسلمين حكم الاستعانة بالكفار. وقد اختلف العلماء في هذا الأمر، فذهب بعضهم إلى جواز الاستعانة بهم مطلقًا، وذهب آخرون إلى المنع من ذلك مطلقًا، وذهب فريق ثالث إلى التفصيل بين الحالات.

وفي هذا المقال، سنتناول حكم الاستعانة بالكفار بالتفصيل، وسنذكر أدلة كل فريق من العلماء، وسنرجح الرأي الصحيح في هذه المسألة.

أولًا: تعريف الاستعانة بالكفار:

الاستعانة بالكفار هي طلب العون والمساعدة منهم في أي أمر من أمور الحياة، سواء كان ذلك في المجال العسكري أو السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو غيره.

ثانيًا: الأدلة على جواز الاستعانة بالكفار:

1. قوله تعالى: “لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين” (الممتحنة: 8).

وهذه الآية تدل على جواز الإحسان إلى الكفار الذين لم يقاتلوا المسلمين ولم يخرجوهم من ديارهم، وذلك يشمل الاستعانة بهم في بعض الأمور.

2. ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “استأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم دليلاً من المشركين يوم بدر”.

وهذا الحديث يدل على جواز الاستعانة بالكفار في بعض الأمور، مثل الاستعانة بهم كدليل في الطريق.

3. ما رواه أبو داود عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: “بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قريظة واليهود من كان منهم يداوي الجراح فداووا جرحى بدر”.

وهذا الحديث يدل على جواز الاستعانة بالكفار في بعض الأمور، مثل الاستعانة بهم في علاج الجرحى.

ثالثًا: الأدلة على المنع من الاستعانة بالكفار:

1. قوله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء إن بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين” (المائدة: 51).

وهذه الآية تدل على المنع من تولي الكفار، وذلك يشمل الاستعانة بهم في بعض الأمور.

2. ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من استعان بمشرك فقد أشرك”.

وهذا الحديث يدل على المنع من الاستعانة بالكفار مطلقًا، وذلك لأن الاستعانة بهم فيها إشراك بالله تعالى.

3. ما رواه أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من استعان بكافر فقد خانه”.

وهذا الحديث يدل على المنع من الاستعانة بالكفار مطلقًا، وذلك لأن الاستعانة بهم فيها خيانة لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.

رابعًا: التفصيل بين الحالات:

ذهب بعض العلماء إلى التفصيل بين الحالات في حكم الاستعانة بالكفار، فقالوا: يجوز الاستعانة بالكفار في الأمور التي لا تضر بالمسلمين، مثل الاستعانة بهم في التجارة أو الزراعة أو الصناعة. أما في الأمور التي تضر بالمسلمين، مثل الاستعانة بهم في الحرب ضد المسلمين أو في التجسس عليهم، فلا يجوز الاستعانة بهم.

خامسًا: شروط الاستعانة بالكفار:

إذا جازت الاستعانة بالكفار، فلا بد من توافر بعض الشروط، وهي:

1. أن يكونوا من أهل الذمة، أي أن يكونوا من أهل الكتاب أو من غير أهل الكتاب ممن عقدوا مع المسلمين صلحًا أو ميثاقًا.

2. أن لا يكونوا في حالة حرب مع المسلمين.

3. أن لا يستعين المسلمون بهم في أمر يضر بالمسلمين.

سادسًا: حكم الاستعانة بالكفار في المجال العسكري:

اتفق العلماء على المنع من الاستعانة بالكفار في المجال العسكري ضد المسلمين، وذلك لأن ذلك فيه إعانة للكفار على المسلمين، وهو محرم شرعًا.

سابعًا: حكم الاستعانة بالكفار في المجال السياسي:

اختلف العلماء في حكم الاستعانة بالكفار في المجال السياسي، فذهب بعضهم إلى المنع من ذلك مطلقًا، وذهب آخرون إلى الجواز بشرط أن لا يكون ذلك فيه ضرر على المسلمين.

الخلاصة:

حكم الاستعانة بالكفار هو محل خلاف بين العلماء، وقد ذكرنا في هذا المقال أدلة كل فريق ورجحنا الرأي الصحيح في هذه المسألة.

والقول الراجح هو التفصيل بين الحالات، فإذا كانت الاستعانة بالكفار لا تضر بالمسلمين، مثل الاستعانة بهم في التجارة أو الزراعة أو الصناعة، فلا حرج في ذلك. أما إذا كانت الاستعانة بالكفار تضر بالمسلمين، مثل الاستعانة بهم في الحرب ضد المسلمين أو في التجسس عليهم، فلا يجوز الاستعانة بهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *