خطبة عن الحكمة من الابتلاء

خطبة عن الحكمة من الابتلاء

الخطبة: الحكمة من الابتلاء

المقدمة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإن الابتلاء سنة من سنن الله في خلقه، لا يكاد يخلو منه أحد، فكما أن للشمس ظلها، فلكل نعمة ابتلاء.

والابتلاء قد يكون باليسر، وقد يكون بالعسر، وقد يكون بالمرض، وقد يكون بالفقر، وقد يكون بالدين، وقد يكون بالدنيا، وقد يكون بالآخرة، وقد يكون بالدنيا والآخرة جميعًا.

وأنواع الابتلاء كثيرة ومتنوعة، ولكل ابتلاء حكمه وفوائده، وقد ذكر الله تعالى في كتابه العزيز أنواعًا كثيرة من الابتلاءات التي ابتلى بها عباده، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ [الأنبياء: 35].

1. ليميز الله الخبيث من الطيب:

فالله تعالى ابتلى عباده ليميز الخبيث من الطيب، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [التوبة: 120].

فالابتلاء يظهر معادن الرجال، ويظهر من هو الصادق في إيمانه، ومن هو الكاذب، ومن هو الصابر، ومن هو الجازع، ومن هو الشاكر، ومن هو الكافر.

2. ليرفع درجات المؤمنين:

فالله تعالى يبتلي عباده المؤمنين ليرفع درجاتهم في الجنة، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَنَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [آل عمران: 164].

فالابتلاء يمحص المؤمن ويطهره من الذنوب، ويرفع درجاته في الجنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط».

3. ليكفر عن المؤمن ذنوبه:

فالله تعالى يبتلي عباده المؤمنين ليكفر عنهم ذنوبهم، قال تعالى: ﴿لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَيُصْلِحَ بَالَهُمْ وَيُدْخِلَهُمُ الْجَنَّةَ الَّتِي وَعَدَهُمْ﴾ [محمد: 2].

فالابتلاء يكفر عن المؤمن ذنوبه، ويطهره من المعاصي، ويقربه من الله تعالى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه، إلا حط الله به من خطاياه كما تحط الشجرة ورقها».

4. ليثيب الله المؤمن على صبره:

فالله تعالى يبتلي عباده المؤمنين ليثيبهم على صبرهم، قال تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ [البقرة: 155-157].

فالابتلاء يختبر صبر المؤمن، ويظهر مدى إيمانه وتوكله على الله تعالى، ويجزل له الثواب على صبره، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله إذا أحب عبدًا ابتلاه، فإن صبر فصبرًا، وإن جزع فجزعًا».

5. ليحذر المؤمن من المعاصي:

فالله تعالى يبتلي عباده المؤمنين ليحذرهم من المعاصي، ويردعهم عن الوقوع فيها، قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 155].

فالابتلاء يجعل المؤمن يتذكر الموت والدار الآخرة، ويخشى من الوقوع في المعاصي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرًا يصب منه».

6. ليعظ المؤمن ويوقظه من غفلته:

فالله تعالى يبتلي عباده المؤمنين ليعظهم ويوقظهم من غفلتهم، قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ مَنَّا وَسَلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [الشعراء: 15].

فالابتلاء يجعل المؤمن يتفكر في نعم الله تعالى عليه، ويتذكر تقصيره في أداء الشكر لله تعالى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله إذا أحب عبًا ابتلاه، فإن صبر فصبرًا، وإن جزع فجزعًا».

7. لكي يثبت الله عباده المؤمنين:

فالله تعالى يبتلي عباده المؤمنين ليثبتهم على الإيمان، ويزيدهم إيمانًا وتقوى، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ [آل عمران: 173].

فالابتلاء يجعل المؤمن يتوكل على الله تعالى، ويثق به وحده، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله إذا أحب عبدًا ابتلاه، فإن صبر فصبرًا، وإن جزع فجزعًا».

الخاتمة:

عباد الله: إن الابتلاء سنة من سنن الله تعالى في خلقه، لا يكاد يخلو منه أحد، ولكن المؤمن الصادق هو من يصبر على الابتلاء، ويحتسبه عند الله تعالى، فإن الله تعالى وعد الصابرين بأجر عظيم، قال تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ [البقرة: 155-157].

فاللهم اجعلنا من الصابرين المحتسبين، اللهم ارزقنا الإيمان واليقين، اللهم ثبِّتنا على الإيمان، اللهم ارزقنا حسن الخاتمة.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *