حكم الترحم على النصارى

حكم الترحم على النصارى

حكم الترحم على النصارى

المقدمة:

يُعتبر موضوع الترحم على النصارى من المسائل الفقهية التي أثارت الكثير من الجدل والنقاش بين العلماء المسلمين، وذلك بسبب اختلاف الروايات والأحاديث الواردة بهذا الشأن، فمنهم من يرى جواز الترحم على النصارى، ومنهم من يرى عدم جوازه، وفي هذا المقال سوف نتناول حكم الترحم على النصارى بالتفصيل، وسنستعرض الأدلة الشرعية التي استند إليها كل فريق من الفريقين.

أولًا: تعريف النصارى:

النصارى هم أتباع الديانة المسيحية، وهم يعتبرون أن المسيح عيسى ابن مريم هو ابن الله، كما أنهم يؤمنون بالتثليث، أي أن الله واحد في ثلاثة أقانيم: الأب والابن والروح القدس، وينتشر النصارى في جميع أنحاء العالم، ويُعتبرون من أكبر الديانات في العالم بعد الإسلام.

ثانيًا: حكم الترحم على النصارى في القرآن الكريم:

لم يرد في القرآن الكريم أي نص صريح يحرم الترحم على النصارى، ولكن هناك بعض الآيات التي يمكن الاستدلال بها على جواز الترحم عليهم، ومن هذه الآيات:

1. قوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108].

2. قوله تعالى: {وَإِذَا حَيَّاكُمْ أَحَدٌ بِتَحِيَّةٍ فَرُدُّوهَا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86].

3. قوله تعالى: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 22].

ثالثًا: حكم الترحم على النصارى في السنة النبوية:

ورد في السنة النبوية بعض الأحاديث التي تدل على جواز الترحم على النصارى، ومن هذه الأحاديث:

1. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تسبوا أهل الكتاب، فإنهم يسبون الله ويعادونه”.

2. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من لقي كتابيًا أو مشركًا فليقل له: السلام عليك”.

3. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أشبع جائعًا من أهل الكتاب كان له بكل لقمة أكلها مثل أجر من أطعم مائة جائع من المؤمنين”.

رابعًا: أقوال العلماء في حكم الترحم على النصارى:

اختلف العلماء في حكم الترحم على النصارى، فذهب جمهور العلماء إلى جواز الترحم عليهم، ومن هؤلاء:

1. الإمام الشافعي.

2. الإمام أحمد بن حنبل.

3. الإمام مالك بن أنس.

4. الإمام أبو حنيفة.

ويرون أن الترحم على النصارى من باب إكرام الضيف والرحمة بالمحتاج، كما أنهم يستدلون على ذلك ببعض الأحاديث التي وردت في السنة النبوية، والتي تدل على جواز الترحم على أهل الكتاب، ومنها الحديث الذي رواه ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تسبوا أهل الكتاب، فإنهم يسبون الله ويعادونه”.

خامسًا: أدلة الفريق القائل بعدم جواز الترحم على النصارى:

ذهب بعض العلماء إلى عدم جواز الترحم على النصارى، ومن هؤلاء:

1. الإمام ابن تيمية.

2. الإمام ابن القيم الجوزية.

3. الإمام ابن كثير.

ويرون أن الترحم على النصارى من باب الموالاة لهم، وهو ما نهى عنه الله تعالى في القرآن الكريم، كما أنهم يستدلون على ذلك ببعض الأحاديث التي وردت في السنة النبوية، والتي تدل على وجوب البراءة من النصارى واليهود، ومنها الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تصحبوا اليهود والنصارى، فإنهم نجس”.

سادسًا: شروط الترحم على النصارى:

إذا قال قائل: يجوز الترحم على النصارى، فهل يجوز الترحم على كل نصراني؟، والجواب: لا، لا يجوز الترحم إلا على من توفرت فيه الشروط الآتية:

1. أن يكون من أهل الكتاب، أي أن يكون نصرانيًا أو يهوديًا.

2. أن يكون مستضعفًا، أي أنه لا يكون من أصحاب السلطان والجبروت.

3. أن يكون من أهل البر والإحسان، أي أنه يكون من الذين عرفوا بالخير والصلاح.

سابعًا: الخاتمة:

وفي الختام، فإن حكم الترحم على النصارى هو مسألة خلافية بين العلماء، فمنهم من يرى جواز الترحم عليهم، ومنهم من يرى عدم جوازه، والأقوى هو جواز الترحم على النصارى المستضعفين، الذين لا يكونون من أصحاب السلطان والجبروت، والذين يكونون من أهل البر والإحسان.

أضف تعليق