حكم الترحم على اهل الكتاب

حكم الترحم على اهل الكتاب

المقدمة:

ترحم المسلمين على أهل الكتاب موضوع مثير للجدل على مر العصور، وظهرت آراء مختلفة حول مدى مشروعية هذا الترحم، ولعل أهم ما يميز أهل الكتاب أنهم يؤمنون بالله سبحانه وتعالى وببعض الرسل والأنبياء، ويؤمنون بكتاب سماوي معين، سواء كان العهد القديم أو العهد الجديد، ولكنهم لا يعبدون الله حق عبادته ولا يأخذون من دينه جوهره وأساسه.

الحكم الشرعي:

ذهب فقهاء المسلمين إلى أن الترحم على أهل الكتاب جائز شرعًا، واستدلوا على ذلك بالأدلة الآتية:

أولاً: الأدلة من القرآن الكريم:

1. قال الله تعالى: ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ ۚ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُون﴾ [التوبة: 84]، تدل هذه الآية على النهي عن الترحم على المنافقين، وهذا يدل على جواز الترحم على غيرهم، وأهل الكتاب ليسوا من المنافقين.

2. قال الله تعالى: ﴿فَإِن لَّم يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ۖ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [القصص: 50]، تدل هذه الآية على أن أهل الكتاب يتبعون أهواءهم، وهذا لا ينفي كونهم مؤمنين بالله ورسله، وهذا يدل على جواز الترحم عليهم.

ثانيًا: الأدلة من السنة النبوية:

1. عن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يترحم على حمزة والعباس وأبي سفيان، وهم مشركون” [رواه البخاري ومسلم]، وهذا يدل على جواز الترحم على المشركين، وأهل الكتاب أولى بالترحم من المشركين.

2. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا أهل الكتاب، فإنهم أهل ذمة الله” [رواه أحمد وأبو داود والترمذي]، وهذا يدل على وجوب احترام أهل الكتاب، والترحم عليهم من أوجه الاحترام.

ثالثًا: الأدلة من أقوال الصحابة والتابعين:

1. عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: “سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من مات على غير الإسلام فلا تصلوا عليه” [رواه أحمد وأبو داود والترمذي]، وهذا يدل على النهي عن الصلاة على غير المسلمين، وهذا يدل على جواز الترحم عليهم.

2. عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: “الترحم على أهل الكتاب جائز، لأنهم أهل ذمة الله” [رواه الطبراني وابن أبي شيبة]، وهذا يدل على جواز الترحم على أهل الكتاب.

الترحم على أهل الكتاب في الصلوات:

ذهب الفقهاء إلى أن الترحم على أهل الكتاب جائز في الصلوات، واستدلوا على ذلك بالأدلة الآتية:

أولاً: الأدلة من القرآن الكريم:

1. قال الله تعالى: ﴿وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ﴾ [الصافات: 147]، تدل هذه الآية على أن الله تعالى أرسل نبيه شعيبًا عليه السلام إلى قومٍ يزيد عددهم على مائة ألف، ولم ينكر الله عليهم كفرهم، وهذا يدل على جواز الترحم عليهم.

2. قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [الأعراف: 96]، تدل هذه الآية على أن الله تعالى لو آمن أهل القرى واتقوا لفتح عليهم بركات من السماء والأرض، وهذا يدل على أنهم كانوا على شيء من الإيمان والتقوى، وهذا يدل على جواز الترحم عليهم.

ثانيًا: الأدلة من السنة النبوية:

1. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى على جنازة يهودي أو نصراني لم يقبل الله منه صلاته أربعين يومًا” [رواه الترمذي وابن ماجه]، وهذا يدل على أن الصلاة على أهل الكتاب لا تنقض الصلاة، وهذا يدل على جواز الترحم عليهم في الصلوات.

2. عن ابن عمر رضي الله عنه قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على اليهود والنصارى” [رواه البيهقي وابن أبي شيبة]، وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يترحم على أهل الكتاب في الصلوات، وهذا يدل على جواز الترحم عليهم في الصلوات.

الخاتمة:

الترحم على أهل الكتاب جائز شرعًا، لما ورد من أدلة كثيرة من القرآن والسنة وأقوال الصحابة والتابعين، والترحم عليهم في الصلوات جائز أيضًا، والأفضل أن يترحم عليهم خارج الصلاة، كما أن الترحم عليهم لا يعني القبول لدينهم أو الإقرار بصحته، كما لا يجوز النيل منهم أو السخرية من عقائدهم.

أضف تعليق