المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد:
من المسائل الفقهية التي اختلف فيها العلماء هل يشترط الوضوء لقراءة القرآن الكريم؟ وقد اختلفت الآراء في هذه المسألة بين وجوب الوضوء واستحبابه وعدم اشتراطه.
أدلة القائلين بشرط الوضوء لقراءة القرآن الكريم
1. الدليل الأول: استدل القائلون بشرط الوضوء لقراءة القرآن الكريم بقول الله تعالى: {لا يمسه إلا المتطهرون} [الواقعة: 79]. وقد ذهب بعض العلماء إلى أن المراد بـ”المتطهرون” هنا هم المتوضئون، ومن ثم قالوا إن الوضوء شرط لصحة قراءة القرآن الكريم.
2. الدليل الثاني: استدل القائلون بشرط الوضوء لقراءة القرآن الكريم بقول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يقرأ القرآن إلا طاهر”. وقد اختلف العلماء في تفسير كلمة “طاهر” هنا، فقال بعضهم إنها تعني المتوضئ، وقال آخرون إنها تعني المتطهر من الجنابة.
3. الدليل الثالث: استدل القائلون بشرط الوضوء لقراءة القرآن الكريم بأن القرآن الكريم كلام الله تعالى، وهو كلام مقدس يجب أن نتعامل معه بالاحترام والتقدير. ومن مظاهر الاحترام والتقدير للقرآن الكريم الوضوء قبل قراءته.
أدلة القائلين باستحباب الوضوء لقراءة القرآن الكريم
1. الدليل الأول: استدل القائلون باستحباب الوضوء لقراءة القرآن الكريم بقول الله تعالى: {وإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} [النحل: 98]. وقد ذهب بعض العلماء إلى أن الاستعاذة من الشيطان الرجيم لا تكون إلا بعد الوضوء، ومن ثم قالوا إن الوضوء مستحب قبل قراءة القرآن الكريم.
2. الدليل الثاني: استدل القائلون باستحباب الوضوء لقراءة القرآن الكريم بقول النبي صلى الله عليه وسلم: “من توضأ ثم قرأ عشر آيات من القرآن الكريم غفر الله له عشر سيئات”. وقد ذهب بعض العلماء إلى أن هذا الحديث يدل على أن الوضوء مستحب قبل قراءة القرآن الكريم، لأن الله تعالى يغفر الذنوب لمن توضأ ثم قرأ القرآن الكريم.
3. الدليل الثالث: استدل القائلون باستحباب الوضوء لقراءة القرآن الكريم بأن الوضوء يهيئ القلب والروح لقراءة القرآن الكريم وتدبره، لأنه يطهر البدن والروح من الأوساخ والأقذار.
أدلة القائلين بعدم اشتراط الوضوء لقراءة القرآن الكريم
1. الدليل الأول: استدل القائلون بعدم اشتراط الوضوء لقراءة القرآن الكريم بقول الله تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم} [النحل: 44]. وقد ذهب بعض العلماء إلى أن هذه الآية تدل على أن القرآن الكريم أنزل لكي يتلى على الناس، ولم يشترط الله تعالى الوضوء لتلاوته.
2. الدليل الثاني: استدل القائلون بعدم اشتراط الوضوء لقراءة القرآن الكريم بقول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا حرج في أن يقرأ الرجل القرآن وهو جنب”. وقد ذهب بعض العلماء إلى أن هذا الحديث يدل على أن الوضوء غير شرط لقراءة القرآن الكريم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أباح قراءة القرآن الكريم للجنب.
3. الدليل الثالث: استدل القائلون بعدم اشتراط الوضوء لقراءة القرآن الكريم بأن القرآن الكريم هو كلام الله تعالى، وهو كلام مقدس يجب أن يتلى على الناس في كل وقت وفي كل مكان، بغض النظر عن حالة المتلقي.
الراجح من أقوال العلماء
الراجح من أقوال العلماء هو أن الوضوء ليس شرطًا لقراءة القرآن الكريم، ولكنه مستحب. وقد ذهب جمهور العلماء إلى هذا القول، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد.
فوائد الوضوء قبل قراءة القرآن الكريم
1. تنقية القلب والروح: الوضوء يطهر البدن والروح من الأوساخ والأقذار، وبالتالي يهيئ القلب والروح لقراءة القرآن الكريم وتدبره.
2. تعظيم شعائر الله: الوضوء قبل قراءة القرآن الكريم هو تعظيم لشعائر الله تعالى، وهو دليل على احترام وتقدير كلام الله تعالى.
3. زيادة الثواب: الوضوء قبل قراءة القرآن الكريم يزيد من ثواب قراءة القرآن الكريم، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “من توضأ ثم قرأ عشر آيات من القرآن الكريم غفر الله له عشر سيئات”.
آداب تلاوة القرآن الكريم
1. التأدب مع القرآن الكريم: يجب أن يتأدب المسلم مع القرآن الكريم عند تلاوته، بأن يكون متواضعًا منيبًا إلى الله تعالى، وأن يستمع إلى القرآن الكريم بإنصات وتدبر.
2. التدبر في معاني القرآن الكريم: يجب على المسلم أن يتدبر في معاني القرآن الكريم، وأن يفهم معاني الآيات الكريمة والتدبر في مقاصدها.
3. العمل بأحكام القرآن الكريم: يجب على المسلم أن يعمل بأحكام القرآن الكريم، وأن يطبق أوامر الله تعالى واجتناب نواهيه.
الخاتمة
الوضوء قبل قراءة القرآن الكريم مستحب وليس شرطًا، وهو من آداب تلاوة القرآن الكريم. ومن فوائد الوضوء قبل قراءة القرآن الكريم تنقية القلب والروح، وتعظيم شعائر الله، وزيادة الثواب. ويجب على المسلم أن يتأدب مع القرآن الكريم عند تلاوته، وأن يتدبر في معانيه، وأن يعمل بأحكامه.