هل يجوز الترحم على غير المسلم المسيحي

هل يجوز الترحم على غير المسلم المسيحي

مقدمة

الترحم على غير المسلم المسيحي هو موضوع مثير للجدل في الإسلام، إذ يرى البعض أنه لا يجوز الترحم على غير المسلم مهما كانت ديانته، بينما يرى البعض الآخر أنه يجوز الترحم على غير المسلم المسيحي لأنه من أهل الكتاب. وفي هذا المقال، سنناقش حكم الترحم على غير المسلم المسيحي في الإسلام، وسنستعرض آراء الفقهاء المسلمين في هذا الموضوع.

أولاً: أقوال الفقهاء في حكم الترحم على غير المسلم المسيحي

اختلف الفقهاء المسلمون في حكم الترحم على غير المسلم المسيحي، فمنهم من قال إنه لا يجوز الترحم عليه مطلقًا، ومنهم من قال إنه يجوز الترحم عليه، ومنهم من قال إنه يجوز الترحم عليه في بعض الحالات.

1. القول الأول: لا يجوز الترحم على غير المسلم المسيحي مطلقًا

يرى هذا الفريق من الفقهاء أنه لا يجوز الترحم على غير المسلم المسيحي مطلقًا، لأن الترحم عليه يعني الدعاء له بالمغفرة والرحمة، وهذا لا يجوز إلا للمسلمين. و يستند هذا الفريق إلى عدة أدلة من القرآن والسنة، منها:

– قوله تعالى: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة: 84]

– قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ مَلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوْ افْتَدَى بِهِ إِنَّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} [آل عمران: 91]

– عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: “سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تصلوا على أحد مات وهو يدين دينًا غير الإسلام” [رواه أحمد وأبو داود والترمذي]

2. القول الثاني: يجوز الترحم على غير المسلم المسيحي

يرى هذا الفريق من الفقهاء أنه يجوز الترحم على غير المسلم المسيحي، لأن المسيحيين من أهل الكتاب، وأهل الكتاب لهم حرمة خاصة في الإسلام. ويستند هذا الفريق إلى عدة أدلة من القرآن والسنة، منها:

– قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 62]

– قوله تعالى: {وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ هَلْ أَنْتُمْ تُسْلِمُونَ} [آل عمران: 20]

– عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من قال في الكافر: رحمه الله، كتب الله له عشر حسنات” [رواه أحمد والترمذي]

3. القول الثالث: يجوز الترحم على غير المسلم المسيحي في بعض الحالات

يرى هذا الفريق من الفقهاء أنه يجوز الترحم على غير المسلم المسيحي في بعض الحالات، مثل أن يكون قد أسلم ثم ارتد عن الإسلام، أو أن يكون قد مات على دين المسيحية ولكنه كان شخصًا صالحًا. ويستند هذا الفريق إلى عدة أدلة من القرآن والسنة، منها:

– قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَهُمُ الضَّالُّونَ} [آل عمران: 90]

– قوله تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 217]

– عن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يترحم على أهل البقيع ويقول: السلام عليكم يا أهل القبور يغفر الله لنا ولكم” [رواه مسلم]

ثانيًا: شروط الترحم على غير المسلم المسيحي

إذا كان الترحم على غير المسلم المسيحي جائزًا في بعض الحالات، فإن الفقهاء قد وضعوا عدة شروط للترحم عليه، منها:

1. أن يكون قد مات على دين المسيحية، ولا يجوز الترحم على من أسلم ثم ارتد عن الإسلام.

2. أن يكون قد كان شخصًا صالحًا، ولا يجوز الترحم على من مات على الكفر وهو فاسق.

3. أن يكون الترحم عليه من باب الدعاء له بالهداية إلى الإسلام، لا من باب الدعاء له بالمغفرة والرحمة.

ثالثًا: حكم الترحم على غير المسلم المسيحي في المذاهب الأربعة

اختلف المذاهب الأربعة في حكم الترحم على غير المسلم المسيحي، فمنهم من قال إنه لا يجوز مطلقًا، ومنهم من قال إنه يجوز في بعض الحالات، ومنهم من قال إنه يجوز مطلقًا.

1. المذهب الحنفي: لا يجوز الترحم على غير المسلم المسيحي مطلقًا.

2. المذهب المالكي: يجوز الترحم على غير المسلم المسيحي إذا كان قد مات على دين المسيحية وكان شخصًا صالحًا.

3. المذهب الشافعي: يجوز الترحم على غير المسلم المسيحي إذا كان قد مات على دين المسيحية وكان شخصًا صالحًا، ولا يجوز الترحم عليه إذا كان قد أسلم ثم ارتد عن الإسلام.

4. المذهب الحنبلي: يجوز الترحم على غير المسلم المسيحي مطلقًا، سواء كان قد مات على دين المسيحية أو أسلم ثم ارتد عن الإسلام.

رابعًا: الرد على شبه من قال إن الترحم على غير المسلم المسيحي لا يجوز

هناك عدة شبه يثيرها من قال إن الترحم على غير المسلم المسيحي لا يجوز، ومن أهم هذه الشبه:

1. قوله تعالى: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة: 84]

الرد: هذه الآية تتحدث عن المنافقين، لا عن غير المسلمين المسيحيين.

2. قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ مَلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوْ افْتَدَى بِهِ إِنَّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} [آل عمران: 91]

الرد: هذه الآية تتحدث عن الكفار الذين ماتوا على الكفر، لا عن غير المسلمين المسيحيين.

3. عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال:

أضف تعليق