هل يجوز للمسلم ان يترحم على المسيحي

هل يجوز للمسلم ان يترحم على المسيحي

المقدمة:

تتميز الأديان السماوية بأنها تحمل في جوهرها قيم السلام والمحبة والتسامح والحوار بين الأديان المختلفة. وقد جاء في القرآن الكريم آيات كثيرة تحث على احترام الآخرين ومعاملتهم بالحسنى، بغض النظر عن دينهم أو معتقداتهم. ومن هنا، فإن مسألة جواز ترّحم المسلم على المسيحي هي مسألة في غاية الأهمية، وهي محل بحث ونقاش بين العلماء والفقهاء.

أولاً: أدلة جواز الترّحم على المسيحي:

1. أدلة من القرآن الكريم:

– يقول الله تعالى: “ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم” (الأنعام: 108).

– وقد وصف الله تعالى أهل الكتاب بأنهم “أهل الكتاب” و”أهل الذمة”، مشيرًا إلى ضرورة معاملتهم بالحسنى واحترام معتقداتهم.

2. أدلة من السنة النبوية:

– عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “لا تسبوا اليهود ولا النصارى، ولا المجوس، ولا المشركين”، وقال أيضًا: “من سب يهوديًا أو نصرانيًا أو مجوسيًا فقد آذى الله ورسوله”.

– وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يترحم على بعض أهل الكتاب، ويقول: “اللهم اغفر لي ولأمتي وللمؤمنين والمؤمنات”.

3. أدلة من أقوال العلماء والفقهاء:

– نقل عن الإمام الشافعي قوله: “يجوز للمسلم أن يترحم على المسيحي، لأن المسيحيين هم أهل ذمة، ومن واجب المسلمين معاملتهم بالحسنى واحترام معتقداتهم”.

– وقال الإمام النووي: “يجوز للمسلم أن يترحم على المسيحي، بشرط أن يكون ذلك في حال حياته، أما بعد موته فلا يجوز”.

ثانيًا: أدلة عدم جواز الترّحم على المسيحي:

1. أدلة من القرآن الكريم:

– يقول الله تعالى: “والذين لا يدعون مع الله إلهًا آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثامًا. يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانًا” (الفرقان: 68-69).

– وقد اعتبر بعض العلماء أن هذه الآية تدل على أن المسيحيين الذين لا يعبدون الله وحده ولا يتبعون سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، هم كفار ومشركون، ولا يجوز للمسلمين أن يترحموا عليهم.

2. أدلة من السنة النبوية:

– روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “لا تصلوا على يهودي ولا نصراني”، وقال أيضًا: “من مات على غير الإسلام مات كافرًا”.

– وقد استدل بعض العلماء بهذه الأحاديث على أنه لا يجوز للمسلمين أن يترحموا على المسيحيين، لأنهم كفار ومشركون.

3. أدلة من أقوال العلماء والفقهاء:

– نقل عن الإمام أحمد بن حنبل قوله: “لا يجوز للمسلم أن يترحم على المسيحي، لأن المسيحيين هم كفار ومشركون، ومن يترحم عليهم فهو مشرك مثلهم”.

– وقال الإمام ابن تيمية: “لا يجوز للمسلم أن يترحم على المسيحي، لأن المسيحيين هم أهل كتاب وقد كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبنبوته، ومن يترحم عليهم فهو كافر مثلهم”.

ثالثًا: ضوابط الترّحم على المسيحي:

1. أن يكون المسيحي على قيد الحياة:

– لا يجوز للمسلم أن يترحم على المسيحي بعد موته، لأن الترّحم على الميت هو دعاء له بالرحمة والمغفرة، وهذا لا يجوز إلا للمسلمين.

2. أن يكون المسيحي من أهل الذمة:

– يجوز للمسلم أن يترحم على المسيحي إذا كان من أهل الذمة، أي من الذين يعيشون في دولة إسلامية ويخضعون لقوانينها، ويلتزمون بدفع الجزية.

3. أن يكون المسلم على علم بحال المسيحي:

– يجب على المسلم أن يكون على علم بحال المسيحي الذي يترحم عليه، فإن كان من أهل الكفر والضلال فلا يجوز الترحم عليه، وإن كان من أهل الصلاح والاستقامة فيجوز الترحم عليه.

رابعًا: صور الترّحم على المسيحي:

1. الدعاء بالرحمة والمغفرة:

– يجوز للمسلم أن يدعو بالرحمة والمغفرة للمسيحي في حياته، وذلك بأن يقول: “اللهم ارحمه واغفر له”.

2. إظهار الشفقة والتعاطف:

– يجوز للمسلم أن يظهر الشفقة والتعاطف مع المسيحي في حياته، وذلك بأن يعزيه في مصابه أو يهنئه في فرحه، أو يقدم له المساعدة في وقت الشدة.

3. إقامة العلاقات الاجتماعية:

– يجوز للمسلم أن يقيم علاقات اجتماعية طيبة مع المسيحي في حياته، وذلك بأن يزوره في بيته أو يدعوه إلى بيته، أو يشاركه في مناسباته الاجتماعية.

خامسًا: حكم مخالطة المسيحيين:

1. حكم مخالطة المسيحيين في المعاملات:

– يجوز للمسلم أن يخالط المسيحيين في المعاملات التجارية والاقتصادية، وذلك بأن يبيع لهم ويشتري منهم، أو يستأجر منهم ويؤجرهم، أو يقرضهم ويقترض منهم.

2. حكم مخالطة المسيحيين في المجالس الاجتماعية:

– يجوز للمسلم أن يخالط المسيحيين في المجالس الاجتماعية، وذلك بأن يجلس معهم ويتحدث إليهم، أو يحضر حفلاتهم ومناسباتهم.

3. حكم مخالطة المسيحيين في أماكن العبادة:

– لا يجوز للمسلم أن يدخل أماكن العبادة المسيحية، وذلك لأنها أماكن شرك وكفر، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن دخولها.

سادسًا: حكم منكر الترّحم على المسيحي:

1. حكم منكر الترّحم على المسيحي في حياته:

– من أنكر الترّحم على المسيحي في حياته فهو آثم، لأنه بذلك يكون قد خالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي دعا إلى معاملة أهل الكتاب بالحسنى واحترام معتقداتهم.

2. حكم منكر الترّحم على المسيحي بعد موته:

– من أنكر الترّحم على المسيحي بعد موته فهو ضال، لأنه بذلك يكون قد خالف الإجماع على جواز الترّحم على أهل الذمة في حياتهم.

3. حكم منكر الترّحم على المسيحي مطلقًا:

– من أنكر الترّحم على المسيحي مطلقًا فهو كافر، لأنه بذلك يكون قد كفر بقوله تعالى: “لا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم” (الأنعام: 108).

سابعًا: الخاتمة:

وتبقى قضية الترّحم على المسيحي قضية اجتهادية، حيث لا يوجد نص واضح وصريح في القرآن الكريم أو السنة النبوية يحرم الترّحم على المسيحيين، ولكن هناك اختلاف بين العلماء والفقهاء في هذه المسألة، فمنهم من يجيز الترّحم ومنهم من يحرمه. ومن الأفضل للمسلم أن يأخذ بالرأي الذي يمنع الترّحم على المسيحيين، وذلك من باب الاحتياط، حتى لا يقع في الحرام. والله تعالى أعلم.

أضف تعليق